سبق وأن تطرقت في غير موضع إلى ظاهرة الانتشار الكثيف والعشوائي للنقاط العسكرية والأمنية على طول الطرق داخل وخارج وبين المدن والمحافظات وكيف أن هذه النقاط قد تحولت إلى مصدر إزعاج ومضايقات من المواطنين المتنقلين وسائقي سيارات الخصوصي والأجرة والشاحنات الذين يتم إخضاعهم المتكرر للتوقف والتفتيش وتلقي نفس الأسئلة عند كل نقطة على حدة. وقد حرصت كل الحرص وأنا أحاول حصر وتسمية بعض من هذه الممارسات المسيئة توجيه خطابي مباشرة إلى كل من وزيري الدفاع والداخلية، وليس إلى من هم أدنى منهما من قادة الأسلحة والألوية والمعسكرات والكتائب والوحدات والأجهزة وذلك لوجود احتمال بعدم دراية الوزيرين المذكورين، بأمر وأوضاع هذه النقاط على عكس من ذكرنا من قادة ميدانيين كانوا ومازالوا وراء نصب وإقامة هذه النقاط والتباري في امتلاك كل واحد منهم أكبر قدر منها. الأمر بات يتطلب صدور قرارات وتوجيهات عليا وزارية تعمل على إعادة تنظيم وتصحيح أوضاع هذه النقاط بالإبقاء على ما تقتضي الضرورة بقاءها وإزالة ما عداها مع رفع كفاءة هذه النقاط من خلال تحديد مهام كل واحدة منها وتزويدها بوسائط اتصال وتواصل وربطها بغرف عمليات للرفع من مستوى أدائها.. وبما يحيلها إلى نقاط أمنة ذات جدوى ونفع يسهم وجودها تأمين الطرق ويضمن سلامة وقانونية استخدامها من أية خروقات ومخاطر تهدد الأمن والاستقرار والسكينة العامة. إلا أنه وبسبب من خيبة الأمل والإحباط التي عادة ما يمنى بهما كل كاتب أو ناشر أو صاحب رأي في يمننا الميمون نتيجة لعدم تجاوب أجهزة الدولة ومؤسساتها (وتطنيشهم) المتعمد لكل ما يتم تناوله من قضايا فساد وعبث وتقصير وتسيب متعلقة بها.. إضافة إلى عدم تشكل رأي عام حي ومدرك وفاعل ذي حضور ضاغط على أجهزة الدولة والحكم لتقوم بمسئولياتها، ويردعها من الانغماس في استغلال سلطاتها على نحو يضر بحياة ومعيشة ومستقبل المواطن، وكذا تعطيل العمل بالقوانين والاستقواء عليها. وبدعوى من هذه الأسباب أقر هنا أنني قد آليت على نفسي أن لا أعود ثانية إلى التعرض لنقاط التفتيش الغزيرة العدد والموبقات، خشية أن أجد نفسي وقد تحولت إلى عدو شخصي لا يملك ما يدفع به عن نفسه أي سوء قد يتعرض له في حركته وتنقلاته لكن يبدو أن طلب السلامة حتى وإن خالطها شعور بالمهانة في ظل ما نعيشه من منغصات آخذة في التوسع والتنامي. أمر غير متيسر ولا متاح البتة. ففيما أنا ماض على ما كنت قد عزمت عليه، لم أستطع إلغاء حواسي وتحييدها عن متابعة وتلقي ما يستجد على وعند النقاط العسكرية والأمنية من تطورات مرعبة ومخيفة وفادحة يتجاوز حصولها حدود الممكن والمعقول والمتوقع، وذلك بتحولها إلى ملذات آمنة معلنة وغير معلنة يحتمى بها، وعندها قطاع الطرق والبلاطجة والمستهترون الذين أصبحوا يمارسون أعمالهم الإجرامية المخالفة لكل الشرائع والقوانين والأعراف من تعد وخطف وسرقة واغتصاب على مقربة، وتحت أنظار ومسامع هذه النقاط والمعسكرات التابعة لها، دون أن تحرك ساكناً أو تبدي تعاطفاً أو تؤدي واجباً في ردعهم ومطاردتهم والقبض عليهم، أو على أقل تقدير استرجاع ما بحوزتهم من منهوبات عندما يتم طلب مساعدتهم والاستنجاد بهم وتبلغيهم، وكأن ما يحدث لا يعنيهم أو يهمهم من قريب أو بعيد، فلا يكاد يجد هؤلاء المتقطعون والبلاطجة ما يعيق حركتهم بيسر وحرية عبر هذه النقاط، والإفلات بجلودهم مع ما ارتكبوه من جرائم واستولوا عليه من منهوبات إلى أي مكان آخر يريدون دون عقاب أو مسألة. إن وضعاً كهذا يفرض علينا مجتمعين بغض النظر عن ولاءاتنا الحزبية والتزاماتنا المذهبية، الخروج من محابس صمتنا وتهاوننا تجاه ما ينجم ويتمخض عن وجود هذه النقاط العسكرية والأمنية العشوائية والمزاجية من أوضاع بشعة، والوقوف صفاً واحداً في مطالبة وزيري الدفاع والداخلية بتحمل مسئولياتهما بإعادة تصحيح أوضاع هذه النقاط وتحديد مهامها ومحاسبتها عن أي تقصير أو خرق أو تواطؤ يصدر منها وبسببها، فالخطر القادم من هذه النقاط بوضعها الحالي ماض ليلحق لا بهذا أو ذاك بعينه وإنما الجميع دون استثناء أو تمييز. رابط المقال على الفيس بوك