العيد جاء أهلاً بالعيد غصباً عن أعداء الفرح وأعداء العيد، غصباً عن "كلفوت" وداعميه؛ لأن العيد نور الحبائب، وكما غنى المغني «شرّفتونا يا حبايب طفّوا نور الكهرباء» فالعيد مع الفوانيس والشموع أكثر رومانيسية، وراحت فلوسك ياباطر بلاش..!!. جاء العيد ونريده أن يأتي بطيئاً؛ لأن الانتظار في كل شيء صعب عدا العيد؛ انتظاره أحلى ما فيه، وكانت أمي الله يرحمها كلما قرب العيد تردّد مقولة: «تباشير العيد ولا وصوله» وكان هذا القول يجد مكاناً في نفسي وأنا طفل عندما يذهب يوم العيد وأتمنّى لو يتأخر يوماً أو يومين؛ لكن السعادة ليست في يدنا، هي مثل القطار العابر خذ لك منه نظرة أو رشفة، وتدري خذ لك منه حباً وسامح غيرك وزاور أرحامك وسلّم على الناس من تعرف ومن لا تعرف دون تمييز، دع قلبك في يدك ليجد الآخرون حرارة روحك؛ فإن القلوب إذا صدقت وحدها تزيل الحواجز دون خطط ولا إمكانيات شق أو ما شابه، دع تعابير الرحمة والحب والفرح تظهر من عينيك فهما نافذة القلب، وللعيون لغة لا تجيدها اللسان أبداً. دع الابتسامة الصادقة تسبقك إلى الناس بكل ما تملك من بهجة، فالابتسامة عنوان الإنسان، ومن لا يعرف كيف يبتسم يوم العيد فليغلق على نفسه ويمكث في بيته أفضل من تعكير العيد بتجهُّم يفجع العيد والأطفال، اظهر في العيد على حقيقتك الطيبة التي تريدها والتي تريد أن يراك فيها الناس وترى أنت فيها الآخرين. العيد قهر للظروف، والعيد عنوان عن انتصار الإنسان على الحزن والفقر، لا تصدق أن العيد عيد «الفلوس» العيد عيد الفرحة والحب ونسيان المواجع والأحقاد، عيد الانتصار على النفس والكراهية، لا تدع الدنيا الحقيرة تدخل بيتك يوم العيد، لا تنظر إلى من هو أكثر منك مالاً فقد يكون الأشقى وأنت الأسعد إذا أردت، فالعيد فعلاً هو «عيد العافية» وإذا عوفيت من النظر فيما عند الناس فقد عافاك الله وأغناك، لا تحتقرنّ صغيراً ولا تغمطنّ كبيراً، فكل الناس في هذه الدنيا عابرون، وكل شيء زائل، والصور المختلفة ألوان لتزيين الحياة وإظهار الأضداد، فلولا الليل ما ظهر النهار ولولا الفقر ما ظهرت العفّة والصبر وقيم الإباء والإحسان، ولولا الغنى ما ظهرت ألوان القيم من لؤم وكرم. كل شيء زائل فلا تلتفتنّ إلى زائل، واعمل بالأسباب كما ينبغي، وكُل من فوق السحاب بكرم وتعفُّف، ولا تنزل إلى تحت التراب، كن في العيد شيئاً آخر، فالعيد ذاكرة جميلة، كن أجمل ما ينبغي أن تكون، ولن تكون الأجمل إلا عندما تكون «طفلاً» فكن طفلاً يوم العيد، ولا تصدّق أنك قد شخت أو كبرت؛ فالشيخوخة كما يقال قرار يتخذه الشخص فيهرم سريعاً، والطفولة والبراءة قرار بإمكانها أن تلازمك حتى الممات وحتى سن المائة، وهناك نماذج عجيبة من الناس تحتفظ بمرحها وفرحها ولعبها وبراءتها؛ حتى بعد ما يتجاوز المائة، وهذه نعمة من الله فلا تكن إلا طفلاً يوم العيد. مُر على الديار والأمكنة والملاعب يوم العيد، فالأماكن لها إحساس، وهي تتذكرك و«تشتاق لك» وقل: كنت هنا وهنا وهنا، تقفز وتنط على الشجرة التي كانت تظلّك أيام صباك، فروحك فيها وبعضك هناك موزعة، وهناك مُر ولملم نفسك المبعثرة من الأمكنة والأزمنة والأشخاص يوم العيد كما كنت، فما العيد إلا طفل وذاكرة وحب يفرح، ولا يحقد على مخلوق، وإياك أن تحمل معك ذرّة كراهية يوم العيد فتفسد عيدك ونفسك وفرصة لا تتكرّر إلا يوماً أو يومين في العام. انس الأحزان يوم العيد يا صاحبي؛ فكلها وهم زائل، ولا تبقى إلا الفرحة والقلب المتسامح، والتسامح لا يكون إلا مع هموم الحياة وصعوبتها ومواجع الخلق والتعامل معها باستخفاف وعلوٍّ، فلا تسامح دون أوجاع وهموم، إياك أن تضيع الفرحة والحب يوم العيد، كن قوياً ولملم أحسن ما فيك واخرج على الناس بزينة روحك وبهجة قلبك أبيض من اللبن وأصفى من قطر السماء. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك