لن نقول أبداً : إننا في وطن يحتوينا ويحتوي آلامنا والأنات إلا إن رأينا من يتحدث عن شعب كادح يلتحف الفقر مئزر والجوع دثاراً والمرض لحافاً والعطش غطاء قاحل ,, حين نجد من يتحدث عن كل هؤلاء حينها فقط سنقول: إن لدينا وطن وساسة شرفاء.. وحينما نجد وطناً لا يتبرأ منا ويتبرأ من معاناتنا ويندمج في أوجاعنا كأم حانية يخفف عنا بعض قهرنا والوجع حينها يمكنننا أن نقول أن لدينا وطناً. وحينما نجد ساسة يكفرون بالحزبية والطائفية والمذهبية والمصالح الآنية الرخيصة ويؤمنون إيماناً مطلقاً أن اليمني الكادح من حقه أن يحيا حياة كريمة,, ويسعون بكل ما أوتوا من قوة أن ينصفوه ويجعلوه يحصل على ابسط حقوقه التي من أهمها الماء والكهرباء والطريق والصحة,, حينما نجد هؤلاء سنعلنها بصراحة أن لدينا ساسة يستحقون منا أن نرفع لهم قبعاتنا ونملكهم زمام أمورنا دون أن ننبس ببنت شفة. فما يحدث على ارض الواقع ومنذ أن تصاعدت أزمات هذا الوطن المنكوب صار الشيء الوحيد الذي يتصدر قائمة اهتماماتنا كشعب وكحكومة من صغيرها للكبير هو المعترك السياسي ولا شيء غيره وكأن السياسية صارت هي الوطن والوطن هو السياسية ولم يعد فيه أي شيء آخر يستحق من الجميع الاهتمام,, وكأنه لم يعد هناك شعب يكتوي بلهيب أوجاعه في الثانية ألف مرة,, شعب يُسحق بين رحى الظلم والمظالم في اللحظة ملايين المرات ,, شعب يتدثر بالمرض ويتغطى بالجهل ويلتحف بالمرارة ويعاني من سوء الخدمات في سهله والجبل في بره والمرتفعات.. شعب أثقله الفقر واشبعه الجوع وآلمه العطش,, شعب يرتجي أن يبصر في حياته جمال الأيام ولونها الحقيقي ,, لا لون البؤس والملامح الشاردة التي تحوي في تفاصيلها الكثير من الأنين والكثير من الحنين لوطن لطالما رسموا له صورة في مخيلاتهم لكنهم للأسف سيصلون لنهاية العمر ويغلبهم الموت ومازال والوطن مجرد صورة مرسومة في شرودهم ومُر حكاويهم أما واقعهم فهو صورة ممزوجة بركامات الغبار والوحشة والخوف والخراب. صرنا لا نعرف من وطننا سوى أخبار النزاعات الفئوية والحزبية والطائفية ,, ولا نلمس إلا أخبار الموت والاغتيالات ونفاد رصيد الولاء والوطنية وإعلاء قيم تغييب الولاء الوطني الحقيقي وتفاقم انتشار الفوضى والعشوائية وقطع الطريق وسلب الناس أمانها وسلامتها وتأجيج روح الفتن والشرور وتعميق الهوة فيها وإغرق الواقع في أتون صراعات نجهل حقاً إلى أي هاوية ستسير بنا الأحداث الجارية.. وهذا كل ما اصبحنا نعرفه عن الوطن الكفيف. إنها معتركات يومية مدمرة ألقتْ بظلالها على حياة الناس البسطاء الذي يمثلون السواد الأعظم من تعداد اليمن ,,معتركات يومية قاتلة أضحت في كل برهة عين وانتباهتها تباعد بين الوطن وبين محطات خلاصه وإنقاذه,, هي معتركات يومية وحشية الوطيس وهمجية التنافس على من يصرع الوطن أولاً ومن يزج بالمواطن اليمني البائس بين شقي رحى مسننة اللهيب.. هي صراعات ومعتركات مفخخة أنست الجميع قضايا حقيقية في حياة شعب مقهور ومظلوم وبائس ,, قضايا بؤساء في واقع اكثر ما يمكننا أن نصفه انه ما عاد يرحمهم وما عاد لهم نصيب فيه إلا مزيد من التقرحات والنتوءات والمواجع.. وكما أننا لا يمكننا إطلاقاً أن نتبرأ من وطن يسري في تفاصيل دمنا ويستحيل علينا انتزاعه,, فنحن بالمثل نريد وطنا لا يتبرأ من أوجاعنا وانيننا ومعاناتنا ونريد أيضاً ساسة لا يتبراون من قهرنا الذين هم سبب به وينصفونا ولو مرة واحدة ويعترفوا ويوقنوا أن الوطن ليس كراسي زائلة ولا ولاءات زائفة,, الوطن أمن ودعة وخير وسلام ونماء قبل كل شيء.. ولك الله يا وطني.. رابط المقال على الفيس بوك