هذه أول ذكرى تمر على ثورة سبتمبر وهي أمام تحدٍ عصيب، يستدعي القلق – وليس الخوف - على مكتسباتها الجوهرية، وفي مقدمتها إنهاء حكم الكهنوت واللاهوت الذي مارسه أئمة اليمن، طول أكثر من ألف سنة، دفع فيها الناس أرواحهم، وكرامتهم، وآدميتهم في سبيل الطاعة الجارفة، أو البحث عن الحرية التي لا تأتي رخاءً، حيث أصابوا، واستقطعوا من أموالهم وقوت أطفالهم من أجل إشباع نهم “الأئمة”، واجتزأوا من عافيتهم تعباً وسهراً، لخدمتهم، أو بحثاً عن مصدر شعاع لضوء الانعتاق والتحرر. وفي عشية الخميس 26 سبتمبر 1962 وجد الأحرار شعاع الحرية يلمع كبارق سيف، فتدافعوا نحوه، وتوجهوا نحو “دار البشائر”، قصر حكم الأئمة، وقذفوه بوابل من أحقادهم المتراكمة طيلة ألف عام، وأعلن الشعب يوم ميلاده في ذلك الخميس البهي. كان الإمام أحمد بن يحيى حميدالدين قد توفي في 18 سبتمبر، أي قبيل الثورة بثمانية أيام، متأثراً بجراحه، جراء محاولة اغتيال تعرض لها في مستشفى الحديدة “العلفي حالياً” من قبل ثلاثة شجعان: محمد العلفي وعبدالله اللقية ومحسن الهندوانة، الضربة الموجعة التي تلقاها الإمام من مسدسات هؤلاء الشجعان في مارس 1961 جعلته يستدعي أطباء طليان لعلاجه، فكتبوا في تقريرهم عن حالته “لم يعد الإمام أحمد غير كتلة لحم متعفنة”. وكانوا محقين في ذلك فقد كانت تحركات الإمام محدودة وضعيفة، نتيجة مضاعفات عملية البواسير التي أجراها في روما عام 1955 وأقعدته كثيراً في القصر، وشاع الناس أنه أصبح مريضاً وعاجزاً عن إدارة الدولة، فخرج يثبت عافيته وقدرته، وطاف بخيله الضخم ميدان تعز، يرفع السيف والبندقية، وما أن عاد حتى كانت الدماء تنزف من دبره، فقد تفجرت عملية البواسير مجدداً، ولم يهدأ إلا بعد حقنه ب«الموروفين» ومع مرور الوقت أصبح الإمام مدمناً كلياً على مسكنات “الموروفين” ومحدود الحركة، ونهم في الأكل حتى تحول إلى كتلة لحم. بعد وفاته انتقل الحكم لطاغية جديد، بعمامة صغيرة الحجم، اسمه “محمد البدر” هو ولي العهد والنجل الأكبر للإمام أحمد، ويبدو أن الزيارات المتكررة للبدر إلى عدن والقاهرة وبيروت ولندن وروما وأمريكا، وقربه من سياسيين ومثقفين يمنيين وعرب، قد جعله يبدو طاغية حديث، سيقبل بإصلاحات شكلية في مؤسسة الحكم، وسينفتح على العالم الخارجي الذي غابت عنه اليمن منذ ألف سنة، ولا تزال إلى اليوم تعاني من تلك العزلة البغيضة، لكن لا مؤشرات أو دلالات على توجه الرجل الجاد نحو العمل الديمقراطي وانهاء التراتب الطبقي، واحترام إرادة الشعب، والغاء الدولة الثيوقراطية القائمة، والفصل بين الأسرة الحاكمة ومؤسسات الدولة (إن وجدت). بين عامي 2000 – 2005 أعددتُ ملفات صحفية معمقة عن ثورة سبتمبر اليمنية، لحساب صحيفة “الثقافية” التي كنت أعمل فيها، وفي العام الأخير من تلك الفترة عملت لحساب صحيفة الجمهورية، وهي تجربة جعلتني أقترب أكثر من رجال الحدث، محاوراً ومستمعاً وقارئاً، وتقريباً قابلت معظم الثوار، وقرأت غالبية مذكراتهم، وفيها من الحقيقة القليل، ومن اللبس الكثير، ومن المزايدة ما يفسد قيمتها، وقد صدق الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني حين قال: “لو أن كل ثائر اقتصر في الحديث عن دوره الحقيقي فقط، لكان لما يكتبه قيمة، ولتمكنا من توثيق تاريخ الثورة المجيدة”. أوقاف إب.. فساد جديد أوقاف محافظة إب التي فرضت بمئات الآلاف من أراضي الوقف، نجحت في حرمان خطباء المساجد من مستحقاتهم الشهرية، وهي مبلغ 5000 ريال شهرياً، وإذا لم يأت الخطباء إلى استلامها من كاك بنك في ذات اللحظة يصادرها “الهوامير” الكبار، كما فعلوا الأسبوع الماضي مع خطباء من مديرية ذي سفال. أخجلوا من الله ورسوله والمسلمين يا أوقاف إب هؤلاء خطباء بيوت الله، وتأكلون مستحقاتهم القليلة. [email protected]