ازدادت مؤخراً جرائم اختطاف الفتيات من المدارس والشوارع ومن أماكن متعدّدة في مناطق متفرقة من بلادنا، حيث تشير الاحصائيات وفق ما تناولته بعض الوسائل الإعلامية إلى أن مباحث أمانة العاصمة سجلت اختفاء 128فتاة في صنعاء منذ مطلع العام الحالي منها ثمان حالات خلال 48 ساعة في الأسبوع واحد فقط، بينما سجلت اختفاء 150فتاة في العام الماضي، وكذا إعلان مسؤول أمني في محافظة إب عن اختفاء 22 فتاة خلال الشهرين الماضيين أغسطس وسبتمبر 2013م، وكان آخر هذه الجرائم إقدام مجهولين يوم الاثنين الاسبوع الماضي على اختطاف الطالبة ساترين (14 عاماً) من مدرسة عائشة للبنات الكائنة خلف مقر الإنتربول في العاصمة صنعاء، وتهديد والدها الذي يعمل محامياً على خلفية أسباب تتعلق بأدائه المهني والتي تم العثور عليها يوم الثلاثاء في عدن وألقى القبض على المتهمين. تزايد ارتكاب هذه النوع من الجرائم يعد مؤشراً خطيراً إلى ما وصلت إليه الحالة الأمنية في البلاد بشكل عام، وعجز أجهزة الأمن عن مواجهة هؤلاء، ومهما تعددت الأسباب والحجج لديها؛ إلا أن ازدياد ارتكاب هذه الجرائم أصبح قضية تؤرق المجتمع، فكل يوم يحمل لنا حكاية لفتاة مختطفة ويكشف حسرة قلب أسرتها على غيابها، وبحثهم المضني عنها، وكل هذه الأمور أصبحت تخيف الآباء والأمهات والأُسر، وتحد من حرية الطفل في الاختلاط مع أقرانه في الشارع أو ممارسة الحياة بشكل اجتماعي دون عقد، بل أصبح أولياء الأمور يحذرون صغارهم من الاستجابة لأية مغريات, بسبب كثرة ما يُسمع من حكايات تجعلهم يخافون على صغارهم, حتى في المدرسة والشارع والدكان, حيث يلاحقونهم بالتحذيرات، الأمر الذي يجعل هذه الظاهرة تسبب قلقاً متزايداً لدى أولياء الأمور بعد تصاعدها؛ حتى إن الكثيرين منهم ينوون إيقاف بناتهم عن الذهاب إلى المدارس. قد يتفق البعض أن الانفلات الأمني الذي تشهده محافظات الجمهورية قد وفّّر عاملاً مساعداً لاستمرار ارتكاب هكذا جرائم غير مألوفة ومستبعد ارتكابها في مجتمعنا اليمني المحافظ الذي يضع ارتكاب جرائم اختطاف الفتيات في قمة الجرائم الدخيلة والمنبوذة مجتمعياً، باعتبار أنها جرائم تمس العرض؛ إلا زن ذلك لا يعفي جهات الأمن من تحمل المسؤولية لتخاذلها وعجزها شبه المتعمّد لما نلمسه منها من صمت وتراخٍ في تعاملها مع هذه القضايا التي لا شك يحطها محل المتهم بالتواطؤ، وكأن التجاذب السياسي قد تسبّب في شل نشاطها ليتخلى منتسبوها عن تأدية واجبهم الأخلاقي والأمني تجاه مجتمعهم وعن قيامهم بفرض قبضة الأمن وهيبته، لفضح تلك العصابات التي تقوم باختطاف الفتيات سواء أكانت للاتجار بالبشر زو للدوافع اللا أخلاقية أو للابتزاز أو للضغط على ذويهن أو تحت أي دافع. فالاختطاف بحد ذاته جريمة, حتى وإن لم يُكن يترتب عليه إيذاء للمُجنى عليه (الضحية) فيكفي ما سيلحق به من ضرر نفسي، وما سيترتب عليه من الترويع, فقد روى ابن عمر مرفوعاً: «لا يحل لمسلم أو مؤمن أن يروّع مسلماً».. فكيف عندما تكون جرائم الاختطاف موجّهة إلى الشريحة الأضعف في المجتمع «الأطفال والنساء؟!!» والتي مع تزايد ارتكابها وما يبديه المواطن من قلق.. لم نجد من الأجهزة الأمنية المعنية ما يبعث على الطمأنينة له ويسهم بتقليل الآثار السلبية الناجمة عن هذه الجرائم، فلا شك أن هذا التعامل قد يهيّئ الوضع أمام فرض هذا الخوف كعامل وسبب جديد ليهيّمن على عقول الناس لخلق واقع سلبي يمنع الأطفال والفتيات من الذهاب إلى المدرسة خصوصاً في ظل ما نسمعه من صيحات تنطلق من حناجر الأمهات تنادي الأجهزة الأمنية برفع الخوف عن بناتهن وأطفالهن، وإنهاء حالة الغموض والتستر المتعمّد عن هوية هذا الجاني أو ذاك، وإظهار الحقيقة لعلها تكسر جدار الصمت المطبق على رجال الأمن، أو حتى تدفعهم لأعطى تصنيف مقبول يخفّف من شدة الصدمة ويوحد الجهود المجتمعية لاتخاذ ما يمكن اتخاذه للتصدي لمثل هذه الجرائم ويعالج مسبباتها وليضع حداً لحالة التخبط من قبل المعنيين والتي تؤثر على تعاطي المجتمع معها لمواجهتها، فهناك من يردّد «إنها عصابات تقوم باستدراج بعض الفتيات من خلال إغرائهن بهدف السيطرة عليهن وتهديدهن لإجبارهن على ممارسة ما تريده تلك العصابات» وجهات أخرى توضح بأنها «مؤشرات ودلائل تؤكد أنها جرائم عمليات اتجار بالبشر يتم فيها استخدام أساليب الخداع والتهديد والإكراه، وهناك من يصنفها بجرائم أخلاقية.... إلخ» دون أن تنطلق الأجهزة الأمنية في نظرتها لهذه القضية من نظرة أن الاختطاف بجميع أشكاله سواء أكان لامرأة أو طفل أو غيره تحت هذه الذريعة أو أي دافع آخر هو جريمة أجمع عليها علماء المسلمين على أنها نوع من الحرابة التي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض؛ ذلك لهم خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم) (المائدة 33). الأمر الذي يتوجب علينا جميعاً مجتمعاً وأفراداً ومنظمات التعاون مع الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة لما لذلك من أهمية قصوى لإسنادها للقيام بواجبها، والعمل علي إيقاف هذه الجرائم بعد أن تحوّلت إلى ظاهرة خطيرة تؤرق المجتمع وتهدّد استقراره، والضرب بيدي العدالة والقضاء على أيدي العابثين بالأمن والمقلقين للسكينة العامة، وعدم التخلّي عن مسؤولياتها في حماية الوطن والأمن في ظل غياب الأداء المؤسسي والإدارة الفاعلة، وأن تضطلع بقية الأجهزة القضائية بدورها، ومعاقبة كل من تثبت إدانته فيها حتى يرتدع كل من تسوّل له نفسه القيام بمثل هذه الجرائم التي تقلق أمن المواطنين وإلقاء القبض على المتهمين وفضحهم ومحاكمتهم بأشد العقوبات لتحقيق العدالة والأمن. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك