إذا لم تتواجد الدولة وتفرض هيبتها على كل الأرض اليمنية وتقوم بواجبها الوطني على أكمل وجه؛ سنظل نحن اليمنيون نسير في الدرب الذي تنبّأ به اللواء حمود بن عائض الجائفي رحمه الله قبل أكثر من واحد وخمسين عاماً مرّوا من عمر ثورة 26 سبتمبر المجيدة حين قال للضباط الأحرار الذين أصرّوا على أن يكون هو قائد الثورة لما يتمتّع به من احترام لدى الجميع وما يمتلكه من دراية وخبرة في إدارة الأمور: يا أولادي؛ الوقت غير مناسب حالياً للقيام بالثورة لأننا غير قادرين على حمايتها والدفاع عنها، وقد تواجه مصير ما حدث في عامي 1948م و1955م حين فشلت الثورتان. وطلب الجائفي من الضباط التأجيل حتى تتوافر أجواء أفضل، وهذا كان رأي القاضي عبدالرحمن الأرياني، رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله الذي أورد في مذكّراته أنه كان مع تأجيل القيام بالثورة لمدة سنة أو سنتين أو ثلاث ضماناً لعوامل نجاحها، وحمّل مسؤولة التعجيل بقيامها القائم بالأعمال المصري في صنعاء محمد عبدالواحد الذي كان يحذّر الإمام البدر من الضباط ويحذّر الضباط من البدر بهدف تسجيل موقف للقيادة المصرية لدى الطرفين، وأي جانب منهما سينتصر تكون قد حظيت باحترام لديه؛ وهو ما جعل القاضي الإرياني يعلق على هذا التصرف في مذكّراته قائلاً: «ظل الأستاذ محمد عبدالواحد، القائم بأعمال سفارة الجمهورية العربية المتحدة يضرم النار في نفوس الضباط ويقول لهم إن البدر قد اكتشف المؤامرة، وأصبحت لديه كل الأسماء بين يديه، وأنهم إذا لم يسارعوا في الحركة؛ فإن مصيرهم هو السجن أو الموت، وجعل يؤكد لهم أن ج .ع .م. ستقوم بكل التزاماتها في حال قيامهم بالثورة وتعرضهم لأية مقاومة.. بينما يقول للبدر إنه بلغته إشاعة عن إعداد لثورة، وإن عليه أن يحترس، مُريداً بذلك إبعاد التهمة عن مصر في حال فشل الثورة، كل هذه الاعتبارات وضعت الضباط الأحرار في موقف جيش طارق بن زياد: العدو أمامهم والبحر وراءهم». أما الأستاذان محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان فقد سارعا بعد وفاة الإمام أحمد حميد الدين رحمه الله إلى بعث رسالة للضباط الأحرار مع الأستاذ محمد عبدالله الفسيل طلبا فيها من الضباط تأجيل القيام بالثورة وإعطاء البدر فرصة وعلى أساس ما سيقوم به من إصلاحات يتحدّد مصير القيام بالثورة؛ ولكن الأستاذ محمد عبدالله الفسيل لم يتمكن من تسليم الرسالة إلى الضباط بسبب ضيق الوقت؛ حيث لم يصل إلا وقد تم الإعداد للقيام بها، وعندما لاحظ اللواء حمود الجائفي إصرار الضباط على القيام بالثورة وحماسهم وتأثّرهم بالقومية العربية قال قولته المشهورة: «يا أبنائي، إذا نجحتم بالثورة فأنتم سوف تتخلّصون من بيت حميد الدين ويحل محلهم المشائخ وسيركبون فوق رؤوسكم، وستظلون تتصارعون معهم سبعين سنة قادمة..!!» وهذا ما حدث بالفعل، فها قد مضى من عمر الثورة السبتمبرية الخالدة أكثر من خمسين عاماً والقوى التقليدية والمشيخية هي التي تتحكم بزمام الأمور. وحينما حاول الشهيد ابراهيم الحمدي رحمه الله أن يقف في وجه هذه القوى منتصف السبعينيات من القرن الماضي تآمروا عليه وقتلوه وقتلوا معه المشروع الذي كان يحمله بهدف بناء يمن جديد تتحقّق في ظل رايته أهداف ومبادئ الثورة اليمنية، ورجع اليمنيون بعد استشهاده عشرات السنين إلى الوراء؛ لأن من تسلّموا زمام الأمور بعده ركّزوا على بناء الحجر على حساب بناء البشر. واليوم وبعد الأمل الذي أحيته في النفوس ثورة الشباب وكاد اليمنيون يصدّقون أنهم قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق عملية تغيير كبرى تعوّض حلمهم الذي لم يستطيعوا تحقيقه خلال الخمسين عاماً الماضية؛ نفاجأ أن القوى التي تقف دائماً حجر عثرة في طريق التغيير والنهوض والتطوّر هي نفسها التي تقوم اليوم بإحداث المشاكل هنا وهناك، والتسبُّب بخلق حروب لأشغال الدولة والحكومة بهدف التأثير على مجريات الحوار الوطني كما يحدث في صعدة وتعز وعدن وأبين وحضرموت وفي مختلف مناطق اليمن؛ بعضها حروب مواجهات بالسلاح تخلّف ضحايا ويقتل فيها العديد من الأبرياء وبعضها حروب مذهبية وطائفية وعنصرية بهدف التفرقة وإثارة الفتن بين أبناء اليمن الواحد؛ إضافة إلى ما تقوم به من قطع للطرقات، وتخريب أبراج الكهرباء، وتفجير أنابيب النفط، وغير ذلك من الأعمال الإرهابية والاغتيالات، مستغلة ضعف الدولة وغياب أجهزتها العسكرية والأمنية وعدم القيام بواجبها في الضبط والمحاسبة. ولأن هذه القوى التقليدية والمشيخية التي تعوّدت على بسط نفوذها وهيمنتها على مصالح البلاد والعباد لا يمكن أن تسمح بقيام دولة وطنية حديثة يسودها النظام والقانون؛ فإنها ستعمل المستحيل للحؤول دون ذلك من خلال عرقلة كل ما يؤدّي إلى تحقيق هذه الغاية النبيلة؛ لأنها تخشى على مصالحها أن تتضرّر، وتخاف على نفوذها أن يتلاشى؛ ولذلك فإن هدفها الأول والأخير هو ضرب مؤتمر الحوار الوطني وإفشاله بأية طريقة، وعدم السماح بالتوصل إلى توافقات تحت أي مبرّر تفتعله، وهي تمتلك خبرة كافية في هذا الجانب مستفيدة من تجاربها السابقة. ومن يتأمل ما يجري خلف الكواليس في أروقة مؤتمر الحوار الوطني؛ سيجد أن الغائب فيه هو الوطن والشعب وقضاياهما، والحاضر هي مصالح القوى النافذة والجماعات والأحزاب، وبما أن المبادرة الخليجية تفرض على المتحاورين أن ما سيتم التوصل إليه من نتائج يتم التوافق عليها ستكون ملزمة للجميع بتنفيذها وتحت إشراف إقليمي ودولي؛ فهذا هو ما يزعج القوى المعرقلة التي تعوّدت أن تلتف على كل القرارات والنتائج، وهو ما جعل الأخ عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية يؤكد لرئاسة هيئة مؤتمر الحوار التي اجتمع بها أواخر الأسبوع الماضي أنه سيتم إبلاغ مجلس الأمن بأسماء القوى المعرقلة، وهذا في حد ذاته يضعف من شخصيتنا كيمنيين ويثبت عجزنا وعدم قدرتنا على حل مشاكلنا بأنفسنا، وليس عيباً أن ننتقد أخطاءنا ونقيّم تجاربنا السابقة للاستفادة من إيجابياتها والتخلُّص من سلبياتها حتى لا نكرّر، الأخطاء، وإلا سنظل نردّد ونرفع شعار: «إلى الخلف دُر». alsharifa68@yahoo رابط المقال على الفيس بوك