من يشهد مسارات الحوار الوطني الذي تحتويه العاصمة صنعاء عبر «موفمبيكها» ويرى ذلك التدافع نحو تمثيل قضايا الأحزاب والجماعات ومطالب الوجاهات والقيادات والمشائخ والمليشيات المتعدّدة التي لها ممثلون في موفبيك؛ سيصل إلى حقيقة أن الوطن موبوء بعبء ثقيل، عبء اللهث خلف المصالح الشخصية وعبء المصالح الحزبية والجهوية، ولا يملك إلا أن يصرخ: أين الوطن، وأين سواد الشعب وقضايا التنمية، وأين الوقوف أمام معضلات التنمية..؟! ولا يخالجه الشك أن هؤلاء سوف يسألون أمام التاريخ وأمام الشعب وأمام المولى عزّ وجل؛ لأنهم انشغلوا بأنفسهم أكثر ما انشغلوا بمصالح أكبر وأهم ممثّلة بمصالح وطن وبمتاعب شعب ومطالبه بحياة جديدة. إذاً ما الجديد الذي يمكن أن يصنعه الكثيرون من هؤلاء، أين هو الجديد؛ هل هي المحاصصة، أم هل هي التحالفات القصيرة وبعضها تحالفات غير مشروعة وغير شريفة؛ ألا يستشعر هؤلاء المتحاورون أنهم مؤتمنون، وأنه يجب عليهم أن يعملوا بما أؤتمنوا عليه..؟!. صحيح أن هناك قوى تظهر في زي الحريص على الوطن وقضاياه؛ إلا أنها مع الأسف ملغومة برسائل ابتزازية وملغومة ببرامج التفاف واضحة على العملية السياسية برمّتها والتوجه بمنهجية في هذا الجانب، منطلقة من مقولة قالها مواطن يمني بسيط: «الأحزاب إن اتفقت نهبتنا، وأن اختلفت قتلتنا..؟!» وهذا ما هو حاصل بالفعل، ولذلك فإننا بحاجة إلى فترة تأسيسية تجمد فيها الحزبية لمدة لا تقل عن خمس سنوات تكون فيها السلطة في يد مستبد عادل يمهّد خلالها الطريق ليقبل الجميع بالنظام والقانون الذي لا يعرفه اليمنيون إلا مصلوباً على الورق؛ لا سيما أن هناك خشية لدى أبناء الشعب اليمني وتخوّفاً من أن تواجه مخرجات الحوار الوطني مصير «وثيقة العهد والاتفاق» التي وقّعت عليها مختلف القوى السياسية في الأردن بداية العام 1994م وجرى الالتفاف عليها بعد ذلك فتفجّرت حرب صيف 1994م المشؤومة؛ لأن معارضة القوى التقليدية لقيام دولة وطنية حديثة وبناء يمن جديد مازالت هي الغالبة بحكم ما تمتلكه من نفوذ وهيمنة ومصالح كبيرة لا يمكن أن تفرّط فيها. كم نحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نتعاطى مع قضايانا من منظور وطني، أما إذا ظللنا نغلّب في تناولنا لقضايانا مصالح الأحزاب والجماعات والوجاهات ذات النفوذ القبلي والسلطوي فإننا سنتجه نحو طريق غير سالك لن نصل إلى نهايته أبداً، ولن نرى النور في نهاية النفق الذي نريد الخروج منه خاصة أن هناك قوى داخل السلطة وخارجها لاتزال تُمسك بزمام الأمور بحكم ما تمتلكه من نفوذ وقد ثبت فعلاً للشعب اليمني أنها وراء المشاكل والحروب التي تحدث هنا وهناك بهدف الضغط على الحكومة والقيادة العسكرية خصوصاً للقبول باعتماد لها عشرات الآلاف من المجندين المحسوبين على الجيش كقوى وهمية تكلّف الموازنة العامة للدولة مليارات الريالات شهرياً، وحينما لم تتم الموافقة على كل الأرقام المقدّمة سارعت هذه القوى النافذة داخل السلطة وخارجها إلى الإيعاز لأنصارها بالقيام بخلق المشاكل في العديد من المناطق اليمنية، وما يحدث في دماج بصعدة وبعض المحافظات الأخرى إلا أنموذج يعكس بشكل جلي وواضح تصرُّفات هذه القوى المهيمنة لإدخال اليمنيين في أتون حرب أهلية تحت يافطات كثيرة منها «الطائفية والعنصرية والمذهبية» وتحت ستار حماية اليمن من التدخل الخارجي؛ بينما ما يحدث هو حروب داخلية بامتياز تديرها هذه القوى التي بدأت تشعر بتضرُّر مصالحها والحد من حجم نفوذها، وفي نفس الوقت للحؤول دون تحقيق حلم وتطلُّعات اليمنيين في بناء يمن جديد تسود دولته المرتقبة الأنظمة والقوانين، ويعيش اليمنيون جميعاً في ظلها متساوين في الحقوق والواجبات؛ لا فضل لأحد منهم على آخر إلا بقدر إخلاصه وما يقدّمه من خدمات للوطن وقضاياه، وأن نجعل من الوطن فوق كل المذاهب والطوائف والأحزاب والقبائل والأشخاص؛ لأن الفتن التي تقوم بإثارتها وتخلقها هذه القوى المتمصلحة تهدف ليس فقط الرجوع باليمن إلى حالة من الجمود ومنع الشعب اليمني من التحرُّك للحاق بالركب وإنما ستقود إلى ما هو أسوأ؛ أي سيكون الهدف جر اليمن إلى الفوضى التي تعوّدت هذه القوى أن تعيش في ظلها خدمة لمصالحها وكأن اليمن لا يعنيها ولا تنتمي إليه، ولم تتعظ من دروس الماضي وعبره؛ وكذلك لم تتعظ بما يحدث في دول أخرى؛ لأن كل ما يهمها هو استفادتها وليذهب الوطن اليمني الذي يشكّل مظلة وحماية لكل أبنائه إلى الجحيم؛ لكن هذا لا يعني إعفاء الشعب اليمني من تحمُّل مسؤولية ما يحدث له لأنه برضاه واختياره وبكامل وعيه المجتمعي هو الذي أعطى هذه القوى المتحكمة في مصيره الضوء الأخضر لتقوم بما تقوم به من أعمال ضد مصلحته الوطنية وذلك من خلال انقسامه على نفسه وتعصُّبه الأعمى لهذا الطرف أو ذاك وتصديقه كل ما يملى عليه من خطاب سياسي وإعلامي ممجوج يثير في نفس كل مواطن يمني تابع لهذه الجهة أو تلك الحقد والعداوة والبغضاء ضد أخيه الذي يختلف معه فكراً ومذهباً أو قد لا يتفق معه على السير في طريق واحد، وهذه المواقف المتزمّتة تخالف تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، دين الحرية والعدالة والمساواة والقبول بالآخر حتى لو كان على غير ديننا، فكيف بمن ننتمي نحن وإياه إلى وطن واحد وعقيدة واحدة ولغة مشتركة، والجميع يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في الأثر أن حب الوطن من الإيمان؛ وهو ما يفرض على اليمنيين جميعاً أن يقدّموا مصلحته فوق أية مصلحة أخرى، وأن يكون التعصُّب للوطن وقضاياه والدفاع عنها المقدّم على أي تعصُّب آخر مهما كانت المكاسب المرجوة منها. ومن هذا المنطلق يجب علينا أن ننظر بتفاؤل إلى مستقبل اليمن ومستقبل أبنائه، وأن نبتعد في خطابنا عمّا يثير الحساسيات ويفرّقنا؛ لأن وحدة الأمة فريضة يجب المحافظة عليها كما نحافظ على الشعائر الدينية ونتعصّب لها بالحق وبالباطل بسبب تعدُّد المذاهب التي هي في الأساس قراءات اجتهادية للإسلام، فجاء مع الأسف الشديد من استغلها وجعل منها وكأنها أركان الإسلام الأساسية؛ ففرّقوا بين أبناء الأمة الواحدة، وكل طرف يكفّر الآخر لمجرد الاختلاف معه، وانشغلوا بأمور وقضايا فرعية ليتحوّل إسلام البعض إلى إسلام سلوكي ممثلاً في المظهر، وابتعدوا عن الإسلام المنهجي الذي ينطلق من الأساس والجوهر، وحب الوطن جزء من هذا الإيمان بالعقيدة وتعاليم الدين الإسلامي الصحيحة. alsharifa68@yahoo رابط المقال على الفيس بوك