منذ أواخر أكتوبر الماضي وما تزال رحى المواجهات المسلحة في دماج بين الغريمين التقليديين الحوثي والسلفي على اشدها دون أن يلوح في الأفق بوادر انفراج وشيكة لوقف نزيف الدم الذى يتناثر هناك بلا حساب تحت الميزان الطائفي المقيت. وتتحدث الأنباء الهاربة من سعير المعارك عن خروقات إنسانية يندى لها الجبين لكن معظمها غير معلومة لدى الرأي العام نتيجة التعتيم الإعلامي المريب على تفاصيل ما يجري في تلك البقعة النائية. وغني عن القول إن المواجهات الدامية تعكس وجود طرف ثالث وربما رابع وخامس من مصلحته أن يجود بسخاء على إذكاء حرب مذهبية تكون دماج الشرارة الأولى ليعم جحيمها فيما بعد جيوباً واسعة وحساسة في جسم وطن يعاني من علل شتى اقتصادية واجتماعية وسياسية والغرض إحراق آمال اليمنيين وتوريث الأجيال القادمة خراباً ينعق على أطلاله الغربان وتنخر خيراته الجرذان. وهذا المخطط معروف من السياسة بالضرورة ولا يحتاج إلى تبيان لكن انشغال حكومة الوفاق ب “لعبة” القفز على حبال الكيد والكيد الآخر قد شكل عاملاً مساعداً لتوغل الخبث الخارجي إلى ابعد مدى، وهو ما يجعلنا على يقين أن خيار السلم للأسف ليس ملك يمين عبدالملك الحوثي أو الشيخ الحجورى، إذ إن إقرار السلام مثلما إعلان الحرب وبحكم التبعية قرار استراتيجي حقوق طبعة محفوظة لدى كبراء لاهوت المذهبين المتناحرين فمثلاً الطرف الأقوى عسكرياً وهو الحوثي يصعب عليه خوض معركة على مستوى عالٍ من الحساسية كهذه والإقدام على قصف المنازل السكنية ودور العبادة بدماج بالمدفعية الثقيلة وفرض حصار على المنطقة الذي يعتبر الثالث من نوعه بعد حصار أكتوبر 2011وديسمبر، 2011م لو لم يتلق ضوءاً أخضر من جهة اعتبارية تتحمل سلفاً تكاليف الحرب العبثية حتى الطرف الأضعف عسكرياً في هذه المواجهة وهم السلف لا يشذون عن هذه القاعدة....قاعدة الولاء العابر للحدود الذي من آثاره قدرة دار الحديث العجيبة على إعاشة ما يربو عن4000 آلاف من طلبة العلم وتلبية احتياجاتهم بسهولة ويسر من المأكل والمشرب والملبس والمسكن، مع أن هذا العدد يشكلون ربع سكان دماج البالغ تعدادهم نحو 15 ألف نسمة. لكن هذه الحقائق ومهما يكن من أمر التبعية فإن ذلك لا يعني الخضوع للواقع المأزوم وترك الحبل على الغارب والاكتفاء بإرسال لجنه وساطة لم تحقق شيئاً على الصعيد العملي، بل على العكس فقد تولد من حصار الحوثي حصار آخر مضاد فرضه القبائل على مداخل ومخارج محافظة صعدة، وهذا التطور ينذر بتوسع نطاق المواجهات المسلحة وهو مالا يرضاه عاقل... لذلك وقبل أن يسبق السيف العذل ويقع الفأس في الرأس، وبالنظر إلى غياب الدور الحكومي وتعذر تدخل فرقة أو فرقتين من الجيش أو الشرطة لفض الاقتتال لأمور لا تخفى على أحد.. نقول لماذا لا يتداعى رجالات اليمن إلى كلمةً سواء وبالأخص من يحظون بقبول من الطرفين بحيث يكون مهمة هؤلاء وضع منطقة عازلة بين الجبهتين والتمركز فيها ومن ثم إطلاق هدنة تحقن دماء الغريمين بالتوازي مع عقد حوار هادئ وودي يضم القيادتين الدينيتين لمناقشة القضايا الخلافية، ومن المؤكد أن الفريقين سيصلان إلى لغة مشتركة تساعدهم على التعايش جنباً إلى جنب كما كان عليه الحال على مدى35عاماً مضت.. إن إعادة التعايش المأمول ممكن التحقق خصوصاً أن نقاط الاختلاف وبؤر الخلاف بذلك الحجم الذى يتصوره أو يصوره البعض، غير أن الطريق التصالحي بين الأخوين يبدأ بإظهار حسن النية المتبادلة وتتمثل في استعدادهما على خوض حوار التسامح والتصالح في أي مكان، ولابأس أن يعقد تارةً في دماج وطوراً في الجميمة مسقط رأس الحوثي ولا يمنع ذلك التحليق في الهواء لزيارة أخوية تشمل عواصم بعض الدول على أساس المباركة والوئام لا الوقيعة والخصام. ولم لا فربما تحولت مراحل إحلال السلام المأمولة في صعدة إلى نواة حقيقية وبيئة ملائمة يكون من كراماتها إحداث تحول إيجابي، وتعمل على تقريب وجهات النظر بين الثقافتين السنية والشيعية. رابط المقال على الفيس بوك