قيل لأحد الصالحين: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلموا لعزّ الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن ، ونحن نتكلّم لعزّ النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق ، نعم نحن كذلك وأسوأ من ذلك فإنّ فينا من يقطع الطريق ويروّع الآمنين وينتهك الحرمات وينهب الممتلكات هكذا عنوة في ليل أو نهار وأحياناً عياناً جهاراً هكذا عيني عينك أمام الخلق والناس ينظرون، فهل رأيتم وهناً في النفوس والعزائم كهذا الذي نراه؟ هناك ظلام حالك يخيّم على بعض النفوس ولا يجدون من يشعل شمعة واحدة فيُتركون هكذا في تيه الظلام.. فتراهم يستميتون في خوض الباطل ليتبوأ الواحد منهم منصباً قيادياً أو وظيفة يسيل لعابه للحصول عليها أو جاهاً مزيّفاً أو حفنة من حطام الدنيا، فهو يبيع من أجل ذلك نفسه ومبادئه وقيمه وربما شرفه هو من أجل ذلك يضع مصلحة بلاده تحت قدميه، فما أن تتبدّى له مصلحة ذاتية حتى يندفع لاقتناصها واغتنامها، وكأنه لا يعلم أنه لن يكون بمقدوره أن يحصل عليها إلا أن يكون الله تعالى قد كتبها له!. قال الإمام الذهبي:« أنت ظالم وترى أنك مظلوم، آكل للحرام وترى أنك متوّرع، وفاسق تعتقد أنك عدل، هناك في بلادنا ما هو أسوأ من الفقر والجهل والتخلف هناك قلة الإيمان وقلة الحياء وهناك سوء التربية، هناك داءات فظيعة قوامها الطمع والحسد، مؤسسة على الأحقاد والضغائن وعدم الرضا بما قسمه الله تعالى من أرزاق على عباده، هناك أمراض خبيثة أشد فتكاً من أمراض السرطان تجيش في نفوس الذين فقدوا إيمانهم بعدالة السماء، فقرّروا أن يرزقوا أنفسهم فأعطوا أنفسهم الحق في أن يعبثوا بالأمن ويروّعوا الآمنين ولا ضير عندهم أن يصموا أنفسهم وأسرهم أو حزبهم أو قبيلتهم بأشنع الصفات ويلصقون بأنفسهم أعظم المنكرات: « فما لجرح بميّت إيلامس». لقد تضافرت أسباب وعوامل كثيرة ومتنوّعة في سحب بساط التربية من تحت أقدام الآباء والأمهات، فقد جعلهم الجهل والفقر والتخلف مكتوفي الأيدي في أن يكون لهم أي دور في تربية أبنائهم، فنشأ الأبناء والبنات على غير دراية بما يتوجّب عليهم أن يكونوا عليه، فلم يتعلّموا الصح من الخطأ بطريقة سليمة مبنية على أسس ثقافية سليمة مستوحاة من الدين والقيم الأخلاقية وجاءت المدرسة أشد عمى وتخلفاً من الأسرة، ثم جاءت الفضائيات فكانت القشّة التي قصمت ظهر البعير، وبدلاً من أن يتلقّى النشء تعليمات وتوجيهات متوازنة، وجدوا أنفسهم وسط أمواج خطيرة متلاطمة تتقاذفهم شمالاً ويميناً، فكيف يمكن أن ينشأ جيل رشيد لأمة تتخبّط سفينتها فوق أمواج عاتية بدون وجود ربّان ماهر يقود السفينة إلى بر الأمان؟. الذين يمارسون العبث والفساد في المدينة، كاختطاف مواطن أو نهبه وترويعه، إنما يتشبهون بالقوم الذين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز:{وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} كما جاء في سورة النمل.. وقد جاء حكم الله عليهم وعلى أمثالهم في سورة المائدة: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ،ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}... (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم}.. نقف وقفة قصيرة هنا لنسأل: هل أمثال هؤلاء الذين يعبثون بالأمن ويروّعون الآمنين، هل يدينون بالإسلام؟، فإذا كانوا كذلك فما هو موقفهم من هذه الآيات البينات التي توضح العقوبة التي يستحقها من يفسد في الأرض ويعبث بالأمن وينشر الرعب في قلوب المواطنين؟.. وسؤال آخر يطرح نفسه: هل يقوم هؤلاء «الخارجون» بهذه الأعمال المشينة من تلقاء أنفسهم لإغضاب رب العالمين أم أنهم يعملون بالوكالة لصالح جهات قد أمنت مكر الله من كثرة ما ران على قلوبهم بسبب الذنوب والخطايا التي يحملون أوزارها فوق كواهلهم منذ أن قرّروا أن الحياة الدنيا هي دارهم فلابد لهم من إعمارها حتى وإن كان ذلك على حساب آخرتهم التي لا يشعرون تجاهها بالمودة والحنين فلماذا يعمرونها إذن؟. فهل يوجد من يظن أن أمثال هؤلاء يحملون في قلوبهم مقدار ذرة من إيمان أو وطنية؟، ونسأل أيضاً: من أين جاء أمثال هؤلاء بهذه السلوكيات العدائية تجاه المجتمع الذي يعيشون في كنفه، يتنفسون هواءه، يستدفئون بشمسه وينعمون بخيراته دون أن يشاركوا في بناء وطنهم أدنى مشاركة مهما كانت ضئيلة، فهم عالة على الوطن يشكّلون عليه أعباءً كالجبال ولا يحملون له غير الشر، يحملونه في قلوبهم وعقولهم على هيئة ضغائن وأحقاد! فيا خسارة الآباء والأمهات الذين حين أنجبوا أمثال هؤلاء كانوا يظنون أنهم ينجبون خيرة البشر، لرفد الوطن بنماذج راقية، يشاركون في بناء بلادهم ونهضتها ورقيها.. فهل يستحق الآباء والأمهات الذين أنجبوا أمثال هؤلاء أن تصيبهم خيبة الأمل؟، هل يستحق آباؤهم وأمهاتهم وقبائلهم أن يفضحوهم أمام القريب والبعيد في أنهم أنجبوا فاشلين ومشوّهين سلوكياً؟، هل هناك وصمة عار تلحق بالأسرة والقبيلة والوطن أشد وطئاً من هذه الوصمة؟. ولا يختلف أمر القبيلة أو الحزب عن أمر الأسرة ، فالحزب الذي يسمح لفرد من أفراده أو جماعة من جماعته أن يمارسوا البلطجة والتقطُّع والإخلال بالأمن، لا يستحق أن يكون له اعتبار أو قيمة من أي نوع، وكذلك القبيلة، فالأصل في القبيلة هو المروءة والشرف وإغاثة الملهوف ونصرة الضعيف وضبط أفراد القبيلة وتربيتهم التربية التي تليق بشرف القبيلة، وتأديبهم إذا ارتكبوا حماقة تسيء إلى القبيلة وصيانة حقوق الآخرين بنفس القدر الذي تصون به القبيلة حقوق أفرادها.. أمّا أن يأتي واحد ينسب نفسه إلى قبيلة أو إلى أي فصيل من الفصائل فلا يكون له من دور سوى إشعال الحرائق وتأجيج الصراعات وتعميق الخلافات بأية حجة، لا يصلح أن يكون موضع الرجاء في حسم أيّ خلاف. بل يكون وجوده أكثر ضرراً وأقل نفعاً وأن الثقافة هذه التي تجعل الإنسان يعتقد أن خلط الأوراق وإحداث صراعات هنا وهناك من شأنه أن يمهّد لأية تسوية إلا أن تكون تسوية شيطانية. وبعد هذا العرض يجدر بنا أن نسأل: ألا تستحق اليمن بما لها من حقوق علينا جميعاً أن نمنحها ساعة سلام؟. رابط المقال على الفيس بوك