أظهر استطلاع للرأي في النرويج تدنيا كبيرا في شعبية رئيس الوزراء حيث أشرفت عليه مؤسسات إعلامية ووكالات متخصصة في شؤون البلاد. لم ينكر الرجل ذلك ولم يدع أنصاره للنزول إلى الشارع لإظهار شعبيته والرد بحزم على الاستطلاع ولم يعتبر ذلك من قبيل المكايدة السياسية والنيل من شعبيته وشخصيته السياسية الكبيرة..! استسلم للاستطلاع بصورة طوعية، وأراد بنفسه أن يتأكد من حقيقة ذلك لكنه لم يعتمد على مؤسسات إعلامية ولم يجرؤ على استخدام وسائل الإعلام الرسمية للرد على أصوات المشككين به أبداً. ابتكر صاحب السلطة الأولى في البلاد طريقة نادرة للتعامل مع شرائح المجتمع المختلفة.. نعم لقد أذهلتني طريقته المبتكرة التي بها استطاع ملامسة احتياجات غالبية الشرائح والاستماع إلى مطالبهم وما يجدر عليه فعله لتلافي أخطاء الماضي والواجب عليه لنيل الثقة من جديد إضافة إلى ما يتوجب القيام به في حال انتخابه لفترة جديدة. اتفق مع احد سائقي سيارات التاكسي بصورة عادية وكأنه سائق آخر وكان صاحب الأمر الأول في البلاد يوقف سيارته على الرصيف المحدد لسيارات التاكسي ويقوم بقيادة السيارة بصورة عادية جدا حيث يقدم إليه الناس كسائق أي سيارة أجرة آخر، بل ويركبون وبينما هم في الطريق يأخذهم شيء من الريبة حول شخصية السائق وما إن يسألوه حتى يرد عليهم بأنه هو رئيس الوزراء بعينه. كان يخوض معهم في الحديث عن البلاد وما تحتاجه وما يجب عليه القيام به ، بل ويطلب منهم أن يقدّموا له اقتراحات جدية للتعامل مع ما هو قادم بخصوص بلادهم ويعدهم بأخذها على محمل الجد والعمل على تنفيذها دون توان. لاقت هذه الفكرة وهذه الطفرة المعاملاتية مع الشعب رواجاً واسعاً واستحساناً منقطع النظير من الشعب النرويجي مما جعله يجدد الثقة بالرجل لقيادة دفة البلاد من جديد التي أصبحت بالرغم من صغر مساحتها المنتج الأول للنفط في أوروبا. أصابتني الدهشة وانا أشاهد هذه الصورة الراقية من صور الحرية والتواضع والنزول عند رغبة الشعب وقياس نبضه عن قرب. كانت احدى القنوات الفضائية الأوروبية تعلق بشكل انسيابي على الحادثة كخبر عابر، من جانب آخر كنت انظر للحدث كحدث جلل لم يبتدع من قبل في بلد عربي ولو لمرة واحدة ... إنها الحرية حينما تكون في أوج قوتها وتجد المؤمنين بها حقاً عندها تأكد أنها تقوم بواجبها على اكمل وجه لتحقيق طموحات وغايات الشعب دون تراجع أو انتقاص. ففي غالبية دول العالم أصبحت الحرية أساساً للبناء والتنمية والتطوير على كل المستويات، أما في عالمنا العربي فالحرية شبهة وجريمة من ارتكبها فإنه مدان وسنوا لذلك القوانين وشرعوا، وإن ندُر إن قالوا عنها أو حدث لبس وتحدثوا عنها فإنها حرية ناقصة صورية بلا جوهر، حرية منتقصة ما دعاهم لذكرها غير التباهي بشكلها وإظهار معالمها على الشاشات الرسمية والصفحات الموالية وفي الحقيقة إنها ميتة مدفونة لم يبقَ غير تابوتها يستغوون به الشعوب. إن فلاسفة التغيير يعتبرون الحرية أغلى شيء عند الإنسان بعد حياته وانه- أي الإنسان – يدفع حياته ثمنا لحريته اذا تطلب الأمر.. كما انهم يرون أنها مقدسة في ذاتها وهي إحساس وشعور بحقيقة الحياة وهي حق يُنتزع إن لم يعطَ وان انتزع فإنه يُفرض على أولي الأمر كي لا يقفوا في طريقه ويفسحوا المجال لكل الناس حتى لا يُحرموه. إننا كعرب بحاجة ماسة لحرية تعيد الاعتبار لأوطاننا، حرية نشعر بها ونؤمن بوجودها، حرية تساهم في انتشالنا من الواقع المتأزم... إن وطننا العربي يُجابه بقوة من قبل قادة الاستبداد وذوي الحق المشخصن الذين لا يريدون لأوطانهم وشعوبهم غير ديمومة البحث عن لقمة العيش وقطرة الماء والبقاء تفكيراً في الأرض دن النظر إلى آفاق السماء ..هذه الحرية التي يمكنهم أن يهبونا إياها وما سواها فعلينا حرام وان نادينا بها فنحن مجرمون.. ألم أقل لكم إنها حرية ناقصة مزيفة؟! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك