أرجو أن تكون المبادرة اليمنية قد حازت قناعة الأنظمة العربية وجديّتها ورغبتها في تصحيح الوضع العربي، وأرجو ألا تكون هذه المبادرة قد دخلت في معمعة التصفيق والابتسامات المتكلّفة التي عهدناها تلتهم الحماس العربي للتغيير أو الانتصار للقضايا العادلة. نتمنى أن تترجم هذه المبادرة إلى واقع عملي، فتكون أنظمتنا العربية قد خرجت – على الأقل – من إطار العدمية والشكلية المجابهة لحيثيات المنطق، إذ إن “22 دولة * 22 قمة = صفر” وفق هذه الحسابات العربية الخالية من أية قيمة ترفع مكانة العرب وتؤكد حقوقهم المشروعة. ينبغي الإيمان بأن تأسيس اتحاد عربي على غرار الاتحادات الأخرى هو أكثر شيء يمكن لهذه الأنظمة أن تقدمه حالياً للشعوب العربية، لأن ماهو أعلى منها حالياً - وأقصد به التحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى من الأراضي الفلسطينية- دونه الكثير من التضحيات والمغامرات التي لن يجرؤ على الدخول فيها كثير من الأنظمة وهي على وضعها الحالي وما فيه من التشتت والانقسام وفي ظل ماهي ملتزمة به من التزامات دولية تكرس الفردية ومبدأ “ما لله لله وما لقيصر لقيصر”.. ومن هنا تلزمنا الإشارة إلى عبثية الترقب الشعبي للمفاجآت والإجراءات العاجلة للإنقاذ ؛ لأن “النخوة” ليست نقص فيتامين اكتشفه الزعماء العرب فتناولوا أقراصاً معوِّضة ليدخلوا إلى القمة من أجل رسم خطة آنية للإنقاذ، وهذا ما لم يحدث، وليتهم قد اكتفوا حتى بمثل ما قاله اردوغان فقالوا: “إن الدول العربية لن تسكت حيال هذه المحارق الجديدة التي عاودت إٍسرائيل لإشعالها في الأراضي الفلسطينية” فيكونوا بذلك قد ارتقوا إلى موقف تركيا التي لم يعد يربطها بالعرب سوى عقيدة واحدة ومجد غابر. فما نريد قوله إذن هو أن المبادرة اليمنية تمثل اليوم برنامجاً علاجياً لإنهاض الموقف العربي وتفعيله , وإقرارها ليس سوى إجراء منطقي بعيد عن العاطفة الآنية التي يثوّرها خطيب الجمعة وسرعان ما تخبو بمجرد عودة الناس إلى منازلهم، أو يثوّرها خطاب أحد الزعماء في جلسة من جلسات القمة وسرعان ما تخبو أيضاً إذا ما غادر الكل إلى أجنحة الضيافة المرفّهة أو دعاهم المستضيف إلى مأدبة عشاء خرافية على شرفهم. المبادرة اليمنية لم تطلب من القادة العرب حرق المراحل أو تقديم ما يرونه سبباً في تهديد الكراسي والعروش . وكل ما في الأمر أن يدخل العمل والموقف العربي في إطار مؤسسي يقضي على الفردية وتأثير الخلافات الداخلية، ويحول دون حدوث الانهيارات المتتالية في الجسد العربي، لأنه سيربط الجميع في مصير واحد وهدف مشترك. وليثق الجميع أن هذه المبادرة هي الطريق الصحيح لتكوين رؤية عربية لمواجهة التحديات وإيقاف جنون الغاصب الإسرائيلي وسعاره وعربدته على مسمع ومرأى من العالم الغربي الراعي الرسمي للمحارق الصهيونية منذ عام 1948م. وبغير الاهتمام بما جاء في هذه المبادرة سيبقى الموقف في دائرة الشجب والتنديد والاستنكار في حين تكون متوالية الهيمنة الغربية ونزق الربيبة المدللة “إسرائيل” قد وصلت إلى حيث تكون قد جهّزت هذه الأخيرة أعظم مقبرة جماعية في العالم لدفن كل العرب. [email protected]