كان آخر ما طالعته وأنا أتهيأ لأن أكتب , هو حالة استنفار أمني في تعز بعد بلاغات أمنية مساء الأربعاء عن وجود خمس سيارات مفخّخة تجوب المدينة , وتزامن ذلك مع انتشار تسريبات نفتها الحكومة، وكان قد جرى تداولها على أساس أنها تحذيرات رسمية من الجهات الأمنية من احتمال شن جماعات مسلحة يُعتقد بانتمائها أو ارتباطها بتنظيم القاعدة هجمات إرهابية الخميس ضد بعض المقار والمصالح الحكومية والبعثات الدبلوماسية. ولفتت ذات التسريبات إلى وجود خمس سيارات مفخّخة أيضا تجوب شوارع العاصمة صنعاء .. والأغرب أن التسريبات حددت مسعى الجماعات الإرهابية إلى استهداف وزارتي العدل والنفط ومطار صنعاء الدولي . وفي وقت مبكر من مساء الأربعاء كانت قيادة محافظة شبوة قد كرمت مواطناً أبلغ عن عبوة ناسفة قرب نقطة أمنية وجرى مكافأته بمائتي ألف ريال . يوم الأحد الماضي كشفت وزارة الداخلية عبر مركز الإعلام الأمني عن إجراءات أمنية مشددة وتوجيهات صارمة إلى الأجهزة الأمنية في مختلف المحافظات , وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة جرى اغتيال مسؤول الحماية الرئاسية أو مسؤول أمن القصر الجمهوري بتعز بالتزامن مع اغتيال مسؤول أمني في البيضاء وترافق معهما الكشف عن محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان برصاص مسدس كاتم للصوت .. وأنا هنا لست في وارد الحديث عن قصور الإجراءات الأمنية أو ضعف الأجهزة المختصة، ولكن قصدت أن أقول إن ذلك يجعلني استبعد أن تكون تلك العمليات التي أعقبت الحديث عن إجراءات مشددة هي من تنفيذ القاعدة .. القاعدة تنفذ عملياتها عادة بناء على تخطيط مسبق ودقيق .. قد تغتال القاعدة المسئول الأمني البارز في البيضاء، على اعتبار أن البيضاء واحد من مسارح العمليات والمواجهات مع التنظيم الإرهابي , لكن اغتيال ضابط حراسة بالقصر الجمهوري بتعز أو محاولة اغتيال سياسي مدني مثل الدكتور ياسين ليس من أهداف القاعدة على الأقل في الوقت الراهن . أعتقد أن كلامي واضح ولا يجب أن يفهم على أنه دفاع عن القاعدة التي ندين ونستنكر كل عملياتها التي لا يقرها دين ولا عقل ولا ضمير , ولكن ما أقصد هو أن هناك إرهاباً آخر يمارسه البعض ممن حوّل البلد إلى قطعة مفخّخة , لمجرد مصالح وتكتيكات انتهازية وقبل ذلك إجرامية حقيرة , وأيضا أقول إن كلمة حقارة لا يمكن لنا أن نقصرها على طرف معين , فهناك أطراف أخرى في هذا البلد تمارس حقارتها أيضا بطرق أخرى وتفخّخ الحياة اليمنية، ليس بالسيارات والعبوات وإنما في ممارسات تضاعف من حالة الإقصاء والاستفزاز والامتهان لحقوق أناس ما كان يجب أن يجدوا أنفسهم ضحايا للمحاصصة والتقاسم لو أنهم يعيشون تحت ظلال سياسيين يحترمون أنفسهم . بكل تأكيد ليس في الشارع اليمني من هو ساذج إلى درجة أنه كان يحلم أو يظن بوجود ملائكة يتصدرون المشهد اليمني أو يتزعمون مختلف الأطراف , لكن الأغلبية بكل تأكيد لم تتوقع أن يكون لدينا شياطين إلى هذا الحد , وطيلة أكثر من عامين ظللنا نناشد هذا الطرف أوذاك بالابتعاد عن خطوط الكهرباء وأنابيب النفط ونقول لهم « العبوا سياسة في أماكن وقضايا أخرى وبأساليب أكثر احترافية وأكثر رُقِيّاً » ولكن للأسف الشديد أصبحنا اليوم بين خيارين : إما أن نعيش في الظلام ووسط أزمات خدمات على رأسها المشتقات النفطية وإما أن نموت مفخّخين جسدياً أو نفسياً . أما عن التفخيخ غير المسلّح وغير العنيف والذي تمارسه أطراف أخرى بحقارة وانتهازية أيضاًس فهو يستحق مقالاً آخر وفي وقت هادئ وغير ساخن , إذا ما جاز لنا أن نحلم بأيام قادمة غير ساخنة. رابط المقال على الفيس بوك