الوافدون من ربوع الشقيقة لا ينقصهم رغيف الخبز الساخن أو شربة الماء النقية أو ثوب الستر وكفى، وإنما ينقصهم أن يجدوا حكومة تحتضن طاقاتهم وتوظيف قدراتهم بل وتعيد تأهليهم إن وجدت فيهم شحاً في الأداء أو نقصاً في التحصيل، لكن حكومتنا كعادتها تخفي نور الشمس بالغربال، تساوم الشعب وتحاول نقل المسئولية من على عاتقها لتضعها على عاتق الأهل والجيران والأصحاب، وكل من تسنى له الإدلاء بدلوه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أوضاع المغتربين العائدين من الخارج. لكن ماذا يصنع الشعب سواءً من كان منهم على علاقة بهذا الأمر أو لم يكن ومع أني أؤمن أن كل الشعب جسد واحد، إلا أنه جسداً مريضاً لا يستطيع أن يقاوم انتكاسات مثل هذه تسقط عليه تباعاً، كما تسقط على الأرض حبات البرد. فهل تعجز حكومتنا أمام قضية مثل هذه، وقد حوت من رموز الدبلوماسية الكثير؟ وماذا يفعل إذا جهابذة القرار المسيس تحت قبة الحكومة الفتية؟! أليس بين هؤلاء الثلة رجل رشيد من أولئك الذين تعالت أصواتهم يوم التقى الجمعان حتى كدنا نحكم على أنفسنا بالموت أمام وطنيته الناضجة بالولاء. ولم نكن بعد حينها أدركنا أن هؤلاء خطفاء، وليسوا خطباء سياسيين، وأنهم يقولون مالا يفعلون، وأنه لا يتبعهم إلا الغاوون! رواتب الموظفين هي احتياطي نقدي في سياسة الحكومة التوافقية، والدليل هذه الخصميات والاستقطاعات غير المبررة من رواتب الناس التي لا يساوي أحدها تخزينة يوم بالنسبة لأحد وزراء الحكومة العاجزة عن أداء مهامها، وتحمل مسئوليتها وفق قواعد وقرارات مدروسة لا ضرر فيها ولا ضرار، لكن أيضاً يبدو أن حكومتنا اعتادت الاسترزاق بشعبها، وكأن ماء الوجه عندها قد نضب، فهي تخاطب إحدى الدول وفق معلومات إعلامية خاصة حول الوعد الذي قطعته بدفع ثلث المبلغ الكلي لأجور الموظفين. وعلى كل حال فنحن على يقين أن رواتب الوزراء وميزانية السفر الخاصة بهم، وكل مستحقات المظهر والمعيشة بما في ذلك سياراتهم وسيارات آبائهم وذرياتهم في محل اهتمام من ميزانية الدولة، وستكون جاهزة في ساعتها المحددة، إنما رواتب الناس الكادحة في خانة الانتظار لا يعلم مصيرها إلا راية ورفرفة علم لا تعلم عنهم الحكومة شيئاً. نعترف وبقوة أن الحبل السري بين الحكومة والشعب قد انقطع، لكن المشكلة في الشريط الوراثي الذي جعل كل فرد من الشعب حكومة مستقلة!