تهرول الأيام نحو عام جديد يلملم شتاتها، وتهرول أعمارنا نحو المجهول، لا تعلم ما ينتظرها، يذهب عام ويأتي آخر ، ونحن نقارع الحياة بأسنان الهموم ، نرسم الأمل ، فيبكينا الألم في وطن مجروح، شعبُ تفرقت كلمته وانشقت وحدته، وكأنما سد مأرب تهدم قبل عام من الآن، وما كان خبر إعادة بنائه سوى وهم في مخيلة الحاضر الضبابي. ها هو الوطن بملامحه الشاحبة بلا رتوش، مازال أبناؤه بعيدين عنه يلتمسون الرزق والأمان في أوطان الآخرين، يرحلون من وطنهم كما ترحل الطيور المهاجرة، وها هو العام الجديد يذكرني بقول بدر شاكر السياب في قصيدته أنشودة المطر «ما مرّ عام والعراق ليس فيه جوع» يا ليت شعري ما مر عام واليمن في أمن وأمان ، بل كان الخوف مغلفا بالصمت قبل الثورة وأصبح باديا بعدها. ها هو الأمل يرتسم على ملامح الأطفال باستقبال سنة جديدة في كل أنحاء العالم، ينتظرون هدايا : «بابا نويل» إلا في اليمن فهم يقرؤون ما يكتبه الأطفال عن بابا نويل يوزع الهدايا للأطفال والفقراء من الصغار، وأطفالنا يحلمون أن يرون «بابا غنّوج»، يحلمون أن يخرجوا إلى مدارسهم ويعودوا إلى منازلهم بأمان ، من دون أن يُقتلوا أو يغتصبوا أو يُختطفوا أو تنفجر بهم قنبلة من باب القصد أو الخطأ أو يقعون في طريق رصاصة طائشة تبحث لها عن غريم. عام جديد يفرش أيامه تحت أقدامنا وأطفال اليمن في كثير من أريافها يتمرغون بالجهل، يقضون صباهم في رعي الأغنام والسعي من أجل جلب قطرات المياه من الأماكن البعيدة، وأرضهم حُبلى بالخيرات والمياه، لكن شجرة القات هي الأولى بالمياه والاعتناء في مجتمع تعوّد أن يقضي نصف يومه أو يزيد قليلاً متكئاً على أريكة الخيال. عام جديد نأمل فيه أن يتغير واقعنا نحو مراسم بناء الحياة ، بعيداً عن إزهاق الأرواح البريئة بالاغتيالات والانفجارات والمؤامرات والمكايدات والحروب السياسية المغلفة بإطار مذهبي، والتضارب على السلطة، والتنابز الحزبي والمذهبي. أشرف علينا عام 2014م بعد عام من التصفيات الجسدية للأفراد والجماعات، بشتى الطرق، بعد عام أملنا أن تخرج فيه اليمن إلى مرافئ الأمان – إن صدقت النيات - باجتماع كل الأطراف اليمنية المختلفة على طاولة الحوار، بعد عام لم تُرحم فيه الطفولة، وكانت الضحية التي رسمت البؤس على وجوه البسطاء واغتالت الفرح من وجوه الأطفال لافتقارنا إلى الأمن والأمان. ها هو العام الجديد أنا بصفة شخصيه أظنه- يقينا – فرصة جديدة من رب العالمين لإصلاح أنفسنا وإعادة بناء وطن ممزق، وفرصة لكل الأطراف المتضاربة على السلطة تذكرهم أن عاما تلو عام يقرّبهم من مثواهم الأخير، ويساويهم بأضعف عباد الله، فليعملوا لأجل بناء اليمن ورفاهية شعبه بدلاً عن التناحر من أجل المصالح. وبصفة اجتماعية سأعد هذا العام هو الأجمل في حياتي وحياة البسطاء إن شاء الله وفي حياة كل من يحبون الحياة والسلام والأمان، وكل عام وأنتم بخير.