لا يكاد يمر يوم دون أن نشاهد أو نسمع عن أحداث عنف هنا وهناك على تراب هذا الوطن الغالي, تراق على إثرها دماء يمنية طاهرة, ما كنا نتوقع أن تُراق في بلد الإيمان والحكمة, البلد الطيب والعريق بتأريخه وحضارته, وبحكمة أبنائه ورجاحة عقولهم ورقة قلوبهم ولين أفئدتهم وعمق إيمانهم بالله ورسله على مر العصور، اليمن الذي عُرفت قديماً ببلاد العرب السعيدة، لما كانت تحتويه من خيرات كثيرة خلّدها التأريخ وعم نفعها الشرق والغرب. اليمن الذي هب أبناؤها لاعتناق دين الإسلام واتباع رسول الهدى ونصرته, والتمسك بسنته وما جاء به من تشريع صالح لكل زمان ومكان يتضمن قيماً وأخلاقيات حضارية تعتبر كل أنواع الإيذاء على النفس، حتى بإفزاعها «جريمة» يُعاقب مرتكبها في الدنيا والآخرة ، قال رسول صلى الله عليه وسلم: «من روَّع مسلماً روَّعه الله في الدنيا والآخرة» .. فيا له من تشريع يحفظ للنفس كرامتها وقداستها حتى في حالة الإفزاع! فما بالكم بمن يقتل لأية ذريعة، وقد صنَّفها الله تعالى بين أكبر الكبائر، وقرنها بالشرك به، حين قال: «من قتل نفساً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها»، ويسوق النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً شديداً من مغبة ارتكاب جريمة القتل بقوله:« يكون المرء في فسحة من أمره ما لم يُصب دماً حراماً» لمصلحة من تُراق هذه الدماء اليمنية في كل يوم ؟، ومن المستفيد من إراقتها؟، ولماذا زادت أحداث العنف والقتل في هذا التوقيت المتزامن مع انتهاء مؤتمر الحوار الوطني, الذي كنا نأمل ونتطلع بكل شوق ولهفة إلى أن يخرج بنتائج تبني وترسّخ دولة يمنية حديثة وآمنة ومستقرة ومتطورة وعادلة, ينعم بخيرها وأمنها وتقدمها وعدلها كل أبناء الوطن ومن يعيش ويعمل ويقيم على ثراه الطاهر. لماذا أصبح القتل والتفجير والتخريب وإثارة الفتنة والخوف وترويع الآمنين الوسيلة التي تفضلها بعض القوى والأطراف السياسية أو الحزبية أو الاجتماعية على الساحة اليمنية للحصول على مطالبها وتحقيق أهدافها ومصالحها؟، وتصفية حساباتها مع خصومها السياسيين؟.. لماذا غاب الإيمان وضاعت الحكمة واختفت الإنسانية والرحمة من هؤلاء؟، وأين ذهب الولاء والحب والانتماء للوطن من قاموسهم؟ هل يظن هؤلاء وأمثالهم أن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم يمكن أن يكون آمناً ومستقراً ومزدهراً إذا تمزق الوطن وفقد أسباب قوته ومقومات بقائه؟، ألا يدرك هؤلاء أنه لا مكان للضعفاء والكيانات الضعيفة والصغيرة والهشة في عالم اليوم ,عالم العولمة والكيانات الضخمة والموحدة سياسياً واقتصادياً؟ تساؤلات كثيرة تحيّرني وتحير كل مواطن شريف يحب ويعشق ثرى وطنه ويتمنى أن يعم الخير والسلام والحب كل أنحائه وكل أبنائه مع بداية هذا العام الجديد، جعله الله عام خير وأمن واستقرار لبلد الحكمة والإيمان. وختاماً أقول لكل من يتم استئجارهم لقتل إخوانهم من أبناء وطنهم: أيها المستأجرون، اتقوا الله واستفيقوا قبل أن تُسِيلُوا دماً حراماً ، فالدم يجر للدم، ودم المسلم وعرضه وماله حرام.. دعوا السلاح قبل سحب الزناد.. من أجل أسركم وأطفالكم ، وأمن مجتمعكم - وقبله - لئلا تخسروا دينكم ودنياكم وآخرتكم - أتركوا السلاح ، وتذكّروا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم» ويأيها السياسيون والمتصارعون والمتشدقون بالمدنية، الغارقون بتقديس الدرهم، ومظاهر التخلف ، وصراع المذاهب.. يا عُبَّاد المصالح وتجار الفتنة والخراب : كفاكم لعباً بحياتنا.. كفاكم ما سال من الدم اليمني الطاهر إرضاءً لنفوسكم المريضة.. اتقوا الله، وتذكروا أنكم بين يديه غداً ستقفون، وتُسألون عما اقترفتموه بحق هذا الوطن، وبأي ذنب أُزهقت النفوس البريئة من أبنائه وعلى ترابه, وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.