لا شيء يمكنه أن يصف ما يمر به واقعنا اليمني الدامي سوى أننا شعب منكوب للغاية في بلد كل أقاصيه فتن وحرائق من أقصاه حتى النخاع ومُثقل بأغلظ المآسي والأدخنة,, ولعل أسوأ حقيقة لابد من الاعتراف بها هي أن آدمية الإنسان في بلادنا غير معترف بها إطلاقا لدى كل من يتسلّطون على رقابنا الذبيحة ويشنقون فينا كل أمل وكل حياة بشتى ألوان التسلط بالرغم من ادعائنا لديمقراطية ظاهرها العذاب وباطنها العذاب والتقتيل والتناحر والموت أيضاً. واقعنا الراهن المثقل بالجراح هو بالطبع نتاج طبيعي لحالات نفخ الأسياد التي تمحورنا حولها طيلة عقود, والتبرك بانجازات وهمية صوروها لنا أن فيها نهر الخلود, هو نتاج طبيعي لحالات التخدير الممزوجة بعنتريات وبطولات عقيمة أجهضت مشروع بناء الإنسان وإبداع الإنسان وكرامة الإنسان وانتجت وجاهات ونافذين ومشائخ ومتغطرسين طفنا حول وميضهم الحالك الأنا والذين مازالت لديهم الآدمية البشرية تعني السُخرة في بلاط اصحاب السيادة, وانشغلنا بهم أكثر حتى جعلناهم أكبر من الوطن, انشغلنا بهم أكثر من انشغالنا بترتيب أولويات وطننا، كالعلم والثقافة والصحة والقضاء والوعي والارتقاء بأنفسنا كشعب كرمه الله في كتابه منذ آلاف السنين ونحن من أجهضنا آدميتنا بالركض خلف سراب تمجيد الشخوص. نحاول جاهدين في حالات كثيرة أن نصل إلى نقطة توافق تجمعنا مع غيرنا من الشعوب بمقارنة محرقة بيننا وبينهم فنكتشف بألم أننا شعب يختلف بفكره وسلوكه وذله عن باقي شعوب الدنيا وندرك أننا منكوبون حد الالم ومغبونون حد النحيب ونكتشف أن الزمن مضى سدى ونحن مثقلون بالخيبات والصراعات والانتكاسات ولم نرَ في حياتنا وواقعنا يوماً جميلاً.. والشئ المحزن الذي يجعلنا أيضاً مختلفين هو أن إنسانية الإنسان غير معترف بها أبداً عند كل من يعتلون هرم السلطة المعطوبة, وأن لغة القوة والغطرسة والظلم والتمترس خلف ولاءات أحادية لا تمت للوطن بصلة..وللأسف الشديد ظلت هذه المبادىء المجحفة مسلّطة على رقاب المقهورين لعقود مضت وبالتالي تسلّط هذا المفهوم علينا كشعب ملغي الفكر وتشربناه في عقولنا الغشي عليها غفلة والتي لم تكن تفقه شيئاً من أولويات حب الوطن والولاء للوطن وهاهو اليوم انعكس هذا المفهوم على تصرفاتنا بكل قبحه، فخرج على هيئة تناحر فيما بيننا واغتيال لكل معاني الإنسانية والألفة وصار لا هَمَّ لنا إلا محو الآخر ونسف الآخر والتخلي عن كل ما يربطنا بقيم التسامح والتعايش مع الآخر..فسلّطنا مفاهيم الجاهلية والهمجية على رقاب بعضنا البعض بكل صور الوحشية والتعنت والشاهد على ذلك ما يحدث في المناطق الجنوبية من إهدار لقيم الأخوة وهتك لمبادئ الإنسانية وللغة المواطنة الحقيقية وتغليب القبح المُمَنهج على السلام والإخاء والدم الواحد وبالتالي خسارتنا فادحة لوطن مازال يحيا في نبضنا غريباً ونحن من جعلناه جسداً له خوار متهتك خدمة لقوى نازية أهدرت دمنا كشعب واحد مازلنا نسير على جمر تقيّحات سياسية ظالمة سبيلها الوحيد اغتيال كل ما من شأنه تقريب المسافات ولم شروخ الوطن النازف تشظياً وتمزيقاً.. - نحن كشعب مثقل بالنزف والمعاناة, وكشعب كادح ومقهور ومسكين سحقته رحى الأزمات ومطرقة الأوضاع الاقتصادية العابثة وتكاثر الطامعين والكروش التي لا ترتوي ولا تشبع وجعلت هذا الشعب يسير كتائه مجنون يحدّث نفسه ويشنق روحه بحبال ظروف مزرية متعددة الأحجام والأشكال ويجهل لمن يشكو مأساة وغبن بلد ولد فيه غريباً وعاش فيه مظلوماً ومذلولاً ويموت فيه بائساً ناقص عمر,كشعب هكذا حاله نريد لغة سلام توحّدنا عند مفردة لا شريك لها وهي «الوطن», نريد لغة سلام تجمعنا عند نقطة التقاء أولها «وطن» وأوسطها وطن وآخرها «يمن بلا شتات», نريد لغة سلام نكفر بواسطتها «بالأنا»، وبالنتوءات السياسية المتقيّحة كي يصبح الكل فيها لخدمة الوطن ولا شيء غير الوطن.. حينها فقط سنسترد وطننا الذبيح وننجو.