الإهداء: إلى الأستاذ خالد الرويشان، الصديق والإنسان. (1) عندما يأخذ الزمان ملمح المكان وأرق ملاحقة المستقبل يصبح من الصعب إدراك كنه المجهول, فتمضي الأيام وتنسلخ السنون.. فنقف كفاصلة بين زمنين نستقبل عاماً ونودّع آخر.. نتساءل: ماذا تخبئ لنا الأيام؟.. وماذا يحمل لنا هذا العام من مخاوف.. ومفاجآت.. و مسرّات.. فيحاول الناس أن يفلسفوا علاقاتهم البسيطة, فيشغلون الدقائق والساعات بأحاديثهم عنها, منهم من يجد متعة في استعادة تفاصيل الأمس, كأنه يخشى على بريق جمالها من الذبول ومنهم من يطمح بسرد وقائع الماضي إلى علاقات أجمل!! فتتعدد الأسباب التي تبعث فينا رغباتنا المتحمسة في الحديث عن نجاحات بسيطة قمنا بها والزهو بإنجازات وردية فاح أريجها في محيط الجماعة أو في إطار الذات. (2) تصبح علاقاتنا بالآخرين قديمة مع مرور الزمن , فنفرح لأننا نجحنا في الحفاظ على صداقاتنا على الرغم من الظروف التي نلومها دائماً ونعلّق عليها إخفاقاتنا، لكن بريق ذلك النجاح يصبح باهتاً عندما نشعر في كثير من الأحيان أنه ينمو على تربة باردة ممزوجة بعبارات مكررة , خالية من آفاق ريادية تجدد الكلام وتبعث في حروفه دفء لقاءات قديمة لم يبقَ منها سوى خيالات تتراقص على شموع الذكريات. (3) في سباق الزمن يتسلّل الملل إلى أجواء صلاتنا بالآخرين, نتوق إلى نوافذ تنعش هواءنا وعندما نكتشف أن الصدأ أكل مفاتيحها, ونعجز عن تدوير حركتها مكبّلين بقيود الملل الذي يحاصر نفوسنا بأساليب تتخلّى عن لباقتها شيئاً فشيئاً.. نبحث عن متهم يحمل أوزار خيباتنا, نرفع أصابعنا لائمين صداقاتنا ولكي ينجح المشهد ويرضي غرور الملامة فينا.. نختلق من أوهامنا أحداثاً وصفاتٍ نعلقها على جباه الآخرين متناسين أنهم وجدوا المخارج لمأزقهم بأفعال مماثلة سلبتنا وسلبتهم ذلك النور الفيّاض بالحنان الذي تتدفق به ينابيع الصداقة. (4) يصبح الماضي شخصية اعتبارية فننظر إلى الدروب الطويلة التي قطعناها، فنفرح بالمسرات ونحزن بالعثرات.. وفي تقليبنا السريع لدفاتر تلك الأيام نجد أسماء أشخاص كثيرين .. نتذكّر بينهم ملامح العابرين الذين مرّوا صدفة في هذه المرحلة أو تلك ونتوقف قليلاً عند المسيئين لنا الذين عبّروا بسلوكهم عن عدوانية لم يكن من السهل تفسيرها في معظم الأحيان , وفي ترتيبنا لعناوين دفاتر تلك الدروب والأيام نشعر أن عدد الأصدقاء غير قليل فنطمئن. (5) في محطة الماضي يجد الشوق أن المشروعات المستقبلية الجديدة قد حزمت له الأمتعة واشترت له تذاكر السفر، فيقتنع فوراً أن فعله حسن.. فيوسّع في حقائبه مكاناً لذكرياته.. فيصدح بقهقهات كسيرة ودمع ينكسر بريقه.. حملها مسرعاً قبل أن يمضي القطار. [email protected]