ذات صباح جميل أفاقت على صور ضبابية تتحشرج في الأفق .. وصقيع الغربة يعصف بالقلب، تضم طفليها إلى صدرها وترضعهما خلاصة القهر والوجل تسرح بها الذاكرة إلى أوقات تعطلت فيها رائحة الشجن. حين قادته الخطوات الضالة نحو قريتها الصغيرة كان شاحباً وظمآناً كان بلا أرصفة أو عناوين، صادف الكثير من الخيبات في شوارع عمره ولم يزل قادراً على البقاء بشبقه، أما هي فكانت لا تزال بعمر أزهار الربيع يطفو على ملامحها الحزن لكنها تجهل حدود الألم ترشقك بتداعياتها البريئة والعاشقة وهي تجهل ماهية الحب!
حين ركضت إليه كان المطر يهطل بغزارة والنسوة مُسرعات يختبئن تحت سقوف المنازل.. لكنها ببساطتها وبراءتها هرعت تختبئ في ظل صدره.. تدس وجهها بين يديه وتبتسم«كم أنت دافئ»؟! كأنك ابن الشمس! ضمها إليه وهو يحدق في تفاصيلها يبحث عن أسرار الروعة فيها؟! كان يطفو عالياً وهي تتسرب في دمه.. وذات فرح أخبرها أنه سيحملها معه ذات يوم إلى مُدن لايزورها الظلام وأغانٍ لا تموت .. وأحلام بلا خيبات، إنها ستكون رفيقة دربه وبأنه سيُدشن معها أكواناً أخرى سيغسل كل أخطائه ويتطهر بها!! أحبها حد الموت ..لأنها كانت تُدهشه على الدوام كان يباهي بها جرحه.. نجمة تشرق في فوضى حُبه،معها تعلم كيف يكون العشق موسوماً بالدم والموت كيف يعلق على خاصرة قلبه تمائم الحب كي تقطنه الورد! وما كان لها إلا أن تحب!! بعد أن احترف التوهج في أوردتها وأن تعتلي فيه عرش الجنون. لملمت ما بقي من طفولتها الهشة ووارت في صدرها بعض صور أصدقائها ودفاترها المهترئة .. شطبت بقايا أحلامها المؤجلة ورحلت معه.
رحلا معاً بجنين حُلم تعاهدا بالعشق أن يرعياه،فكان له في محاجرهم درب وعنوان. ودون أن يشعر كان يزحف بثلوجه على فرحها ويحاصر أغانيها.. استباح حياتها وطفولتها وصهيلها ولم يتح لها أن تتفتح معه كوردة يتيمة الفرح،وقبل أن يمضي وقت طويل كان قد استنزف الكثير من أسرار ألقها، وخلّف فيها الذبول ثم بدأ بالصلاة عليها صلاة الخائن.
كان الوجع عالياً نيران الفاجعة تنتشر بأوردتها لتنغرز كالطعنة في خاصرة جنونه وغدره. لكنه حين جردته من زيفه وحاصرت خطواته قرر أن يقتل فيها لغة الرفض أو يتركها خلفه.. إلى أين تشرد بك هذه الغواية عنا،والعمر بحجم الموت؟! مازلت أفتش في قلبك عن عُمر ضاع ولست تدري ومازلت تفتش في أنفاس الشوارع؟! لا تبحثي عن إجابات منطقية للأشياء ستفسد استمتاعك بالواقع إن أردتِ امتطاء صهوة الريح وارحلي أنت أيضاً. أدري أننا ما عدنا رفاقاً وماعدنا أحبة، لكن التراجع الآن هو المستحيل لماذا تدعني أنحني..؟ إنني أقتل! إنني مُتعب .. غير إنني .. وداعاً. تذكر “قد تعود لي يوماً ما حينها لن أكون أنا” ستفاجئك اللحظات الغادرة ولن تنجيك كل هذه الكؤوس من كل الوجوه التي خلفت فيها البؤس”. تركها ورحل.. “استدراك” إهداء إلى كل الوجوه التي أفتش عنها باستمرار إلى من لا يأفلون .. وإليكِ زينب.