الانتقال إلى الدولة الاتحادية المكونة من عدة أقاليم فى الجمهورية اليمنية, ليس بالأمر السهل فى ظل الظروف والأوضاع الصعبة التى يمر بها الوطن في الوقت الراهن, في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والمعيشية, حيث أن بناء دولة اتحادية مدنية حديثة في الجمهورية اليمنية, لن يتحقق بمجرد أن تنتهى لجنة تحديد الأقاليم من مهامها ويصدر القرار الجمهوري بشأن عدد الأقاليم وحدودها وتعديل الدستور وفق ذلك فهناك عناصر عديدة هامة وضرورية لتحقيق ذلك وتعد من وجهة نظري بمثابة البنية التحتية لبناء الدولة الاتحادية اليمنية, من أبرز هذه العناصر تنمية وعي وثقافة ابناء المجتمع اليمنى حول مفهوم وخصائص الدولة الاتحادية ومعنى الأقاليم، ومتطلباتها والعلاقة فيما بينها ونظامها وكيفية الحفاظ على الوحدة اليمنية في ظل الدولة الاتحادية.. وغيرها من العوامل المرتبطة بوعي وثقافة أبناء المجتمع فى هذا الاتجاه. وقد سمعت العديد من أبناء مجتمعنا اليمني اليوم يتبادلون فيما بينهم أحاديث ومعلومات وأفكار بعضها غريبة وعجيبة عن الدولة الاتحادية والأقاليم في المقايل والتجمعات المختلفة، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. حتى أن البعض من الأفراد العاملين فى العاصمة صنعاء وهم من مواليد محافظات أخرى، مثل تعز وإب وعدن بدأ يفكر في نقل عمله إلى محافظته التى ستكون في إقليم آخر غير صنعاء, أو تغيير مكان ميلاده فى بطاقته الشخصية إلى أية مدينة أو قرية، أو مديرية فى صنعاء حتى يضمن استمراره فى عمله بهذا الإقليم!، اعتقاداً منهم أنه بمجرد إعلان الأقاليم فإن على كل واحد أن يتجه إلى إقليمه الذي ينتسب إليه في بطاقته الشخصية!!، والبعض من الأفراد بدأ وللأسف الشديد يتعامل مع الآخرين على أساس الانتماء الإقليمي , وكما كنا نعاني خلال الفترة الماضية من تعامل البعض مع الآخرين على أساس حزبي أو مناطقي, ربما نعاني خلال الأيام القادمة من التمييز العنصرى بين أبناء المجتمع اليمني على أساس أقاليمي!، ولا شك أن كل هذه الأفكار والتصرفات تدل على وجود قصور كبير في وعي وثقافة الكثير من أبناء مجتمعنا حول هذا الجانب. لذلك فإن العنصر الأول الذي يجب التركيز عليه فى الوقت الراهن قبل أو مع التوجه نحو الأقاليم والدولة الاتحادية هو تنمية وعي وثقافة المجتمع في هذا الجانب من خلال مختلف وسائل التوعية والإعلام, بحيث يتم تهيئة أبناء المجتمع بشكل سليم لتقبل فكرة الأقاليم والدولة الاتحادية، ومعرفة أسسها ونظامها وخصائصها ودورهم فى تنميتها والحفاظ عليها فى إطار الوحدة الوطنية ومصلحة الوطن العليا. وسوف أتناول هذا العنصر بشيء من التفصيل في مقالة قادمة بمشيئة الله. لأهميته فى بناء وتعزيز وترسيخ الدولة الاتحادية اليمنية الحديثة. العنصر الثاني من عناصر البنية التحتية للانتقال إلى الدولة الاتحادية هو تحديد الأقاليم وعددها وحدودها على أسس ومعايير اقتصادية واجتماعية وثقافية وجغرافية سليمة وعادلة. وليس على أسس ومعايير سياسية أو خاصة، لإرضاء أطراف معينة أو مجموعات محددة هنا أو هناك. وهذا العنصر أصبح مسئولية أعضاء لجنة تحديد الأقاليم التى صدر قرار رئيس الجمهورية بتشكيلها للقيام بهذه المهمة الوطنية البالغة الأهمية والحساسية. ولذلك أتمنى من هذه اللجنة أن تتقي الله فى الوطن ومستقبله ووحدته وأمنه واستقراره, وتغلّب مصلحة اليمن العليا على ما عداها من مصالح سياسية أو حزبية أو مناطقية أو شخصية ضيقة. وتبني عملية اختيارها وقراراتها على أسس ومعايير سليمة تسهم فى الحفاظ على هوية المجتمع وتماسكه ووحدة اليمن وأمنها واستقرارها. العنصر الثالث من عناصر البنية التحتية للانتقال إلى الدولة الاتحادية هو صياغة دستور جديد وقوي يواكب روح العصر ومتطلبات الدولة الاتحادية الجديدة , ويمثّل العقد الاجتماعي الجديد لكل اليمنيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم, ويحقق العدالة والمساواة والشراكة في الحكم وتوزيع الثروة وبناء الدولة الاتحادية ويفتح باب المستقبل نحو البناء والتنمية، ويؤسس لنهضة كبيرة تطلق من خلالها طاقات كل اليمنيين. ويضمن الحفاظ على الوحدة اليمنية والهوية الوطنية, وهذا العنصر مسئولية لجنة صياغة الدستور الجديد التى سيتم إصدار قرار جمهوري بتشكيلها خلال الايام القادمة وفقاً لوثيقة الحوار الوطنى. ونأمل أن تتضمن هذه اللجنة تمثيل مختلف شرائح المجتمع وعدم التركيز على شريحة أو طرف معين لكي لا تعبر صياغة الدستور عن مطالب فئوية أو طائفية، وإنما تعبر عن مطالب وطموح اليمنيين جميعاً. ويجب أن يغلب أعضاء هذه اللجنة مصلحة الوطن العليا على ما دونها من مصالح حزبية وضيقة, ويجب أن تقوم اللجنة بالاستماع لآراء وأفكار ممثلي قطاعات المجتمع المختلفة حول الدستور الجديد واستشارة الخبراء والمتخصصين فى كل المجالات عند صياغة مواد الدستور إلى جانب عملها الأساسي المتمثل بالصياغة الدستورية لقرارات مؤتمر الحوار وسيكون لذلك أثر إيجابي يتمثل بخروج دستور قوي يرتقي إلى مصاف الدساتير العالمية ويعكس احتياجات وأولويات وتطلعات الشعب اليمني. العنصر الثالث من عناصر البنية التحتية للانتقال إلى الدولة الاتحادية هو تعزيز وترسيخ الأمن والاستقرار في مختلف أنحاء الوطن, ومعالجة كل القضايا والمشاكل العالقة في الجنوب أو الشمال بشكل جذري لتهيئة جو آمن ومستقر أمام الخيرين من أبناء هذا الوطن للقيام بدورهم المطلوب في الانتقال الفعال إلى رحاب الدولة الاتحادية اليمنية, دولة النظام والعدالة وسيادة القانون والمواطنة المتساوية. ولا شك أن تحقيق هذا العنصر الهام وتجسيده على أرض الواقع تقع مسئوليته الأولى والمباشرة على عاتق مختلف الأطراف والقوى السياسية، والاجتماعية، والفكرية على الساحة الوطنية التى جمعها مؤتمر الحوار الوطنى طوال تسعة أشهر على طاولة واحدة رغم اختلافاتها وتبايناتها الكثيرة وصراعاتها المزمنة, لتناقش وتعالج مختلف قضايا الوطن، وتخرج بوثيقة الحوار التى تحدد معالم الطريق لبناء الدولة المدنية الحديثة. ولاشك أن نجاحها فى تحقيق وتجسيد مخرجات الحوار على أرض الواقع مرهون بمدى التوافق والتعاون والتسامح فيما بينها وحرصها على مصلحة الوطن, وتوجيه جهودها كفريق عمل واحد لتنفيذ ما توافقت عليه في مؤتمر الحوار الوطني بكل صدق وإخلاص, بعيداً عن المكايدات السياسية والحزبية, والمهاترات الاعلامية التي لا تخدم سوى أعداء الوطن ومن يتربّص بوحدته وأمنه واستقراره. حفظ الله اليمن من كل القلاقل والمشاكل والفتن, وطهّر الله أرضها الطيبة من كل الأشرار والظالمين والمتربصين بوحدتها وأمنها واستقرارها, لتبقى بلد الإيمان والحكمة, تحمل بذور الخير والسلام والمحبة لكل الدنيا. * أستاذ التسويق المساعد - جامعة تعز.