الدستور المنشود الذي يعول عليه اليمنيون في الارتقاء بحياتهم ومكانة وطنهم إلى المكانة التي يستحقها كون التطوير يمثل ضرورة والتغيير من الأدوات الدستورية أمر حتمي ينبني عليه الهيكل العام للدولة الديمقراطية الحديثة التي تشترط أن يسود الحوار عقليات مدنية تستلهم رغبات وحاجات كل مواطن إلى العدالة والحرية والمساواة والعيش الكريم في ظل دولة النظام والقانون، دولة المؤسسات وهو ما يكفله دستور يعكس جدية متناهية ومسئولية عالية لدى المشاركين في مؤتمر الحوار وقيادات وأعضاء فرق العمل من الانتقال بالوطن موحداً إلى ضفاف الازدهار والرفاهية. مشروع الدولة المدنية سياسيون لهم رؤى وطروحات حول الدولة المدنية لا يرى آخرون أن الغرض من إعلان رؤاهم حولها مفهوم بقدر ما يثير الغموض ومن المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل من يرى أن مشروع الدولة المدنية إنما يتحقق بتفاعل جميع المتحاورين وهذا ما عبر عنه د. رياض عبدالله عضو المؤتمر محبذا اتجاه الجميع إلى الابتعاد عن أسباب التنافر والعمل من أجل التوافق على بناء الدولة المدنية، وبناء دستور يتسع لليمن واليمنيين جميعاً، وأن يخرج المؤتمر بتفاصيل دقيقة تبنى عليها مؤسسات دولة حتى تكون الحكومة القادمة قادرة على اتخاذ سياسات مدروسة ووفق معايير ولا تبنى سياسات قائمة على الأهواء. فرصة تاريخية ولأن ثورات الربيع العربي مثلت فرصة تاريخية لإعادة تأسيس الديمقراطية فإن هذا الأمر يتطلب المضي في المسار الديمقراطي الطبيعي المبني على أسس متينة ومعايير واضحة وبما يضع خيارات آمنة لمرحلة الانتقال إلى وضع أفضل وجدير بمشاركة الجميع. القضية الجنوبية وفي الوقت الذي بدأ فيه مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن برزت قضية بناء الدولة مرتبطة بحل القضية الجنوبية وفي ظل قضايا ومطالب عدة بحاجة إلى حلول ومعالجات في هذا المؤتمر ومن خلال عمل حكومة الوفاق ومهامها والأهم هو الحلول التي تؤدي إلى التنمية والديمقراطية والاستقرار، والمهمة الكبرى لمؤتمر الحوار الوطني هي توفير مرجعيات تتماشى مع المتغيرات السياسية والديمقراطية والتشريعية التي تفرضها المرحلة وتجعلها تصمد أمام الصراعات القائمة وتحديات المستقبل، كما أن بناء الدولة الوطنية الديمقراطية وصيانتها وتطويرها يتطلب مشاركة الجميع في صنع القرار وإدارة الشأن العام باعتبار أن تمثيل أنفسهم ومشاركتهم في تحديد خياراتهم هو أمر يأتي في إطار ما بات يعرف باسم الديمقراطية المحلية القائمة على عنصرين أساسيين: أولاً رسم الخارطة الجغرافية ثانياً شكل النظام السياسي وطبيعته وبما يوصل إلى حلول للنزاعات المختلفة والمستمرة من واقع اليمن في هذا الشأن وهو ما قامت به بعض منظمات المجتمع المدني في اليمن على إعداد برامج توعية للمجتمع حوله وخاصة حول الديمقراطية المحلية وأوصت بضرورة بناء الدولة المدنية اليمنية الحديثة من خلال تعزيز المشاركة الشعبية وترسيخ الممارسات الديمقراطية فضلاً عن التوعية بكيفية استيعاب المرحلة القادمة التي سيتم خلالها رسم خارطة الدولة اليمنية الحديثة. الفيدرالية خيار أفضل الحديث عن شكل الدولة تزداد قابليته على المستوى الوطني ويحظى بتفهم وتأييد دولي من أجل الحفاظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن. وهذا يعني بناء نظام اتحادي تتكون فيه الدولة من اقليمين أو عدة أقاليم وتقوم على أسس تجزئة السلطة السياسية والإدارية بين الدولة الاتحادية ومكوناتها فيكون للدولة الاتحادية “الفيدرالية” دستور اتحادي ينظم شئون الدولة كلها، وسلطة تشريعية عليا “برلمان اتحادي” وسلطة تنفيذية اتحادية “حكومة اتحادية” وسلطة قضائية عليا. ويرى د. صالح باصرة أن المجتمع الدولي مع خيار الفيدرالية في اليمن وأن الموضوع محل نقاش في الداخل إلا أن البعض يرى أن حل المشاكل في الجنوب كفيل بتحقيق توافق حول بناء الدولة المركزية وتطبيق نظام محلي واسع الصلاحيات وهو ما يراه آخرون أقل من المستوى المطلوب لتجاوز التحديات مادامت بعض القوى الجنوبية تطرح مطالب سياسية تتفاوت بين مطلب استعادة الدولة وبين فيدرالية لمدة من ست إلى عشر سنوات يتبعها تصويت على حق تقرير المصير لأبناء الجنوب، ومطلب ثالث بالفيدرالية على أساس عدة أقاليم وفق شروط ومعايير المساحة والثروة والسكان بحيث يكون لكل اقليم بغض النظر عن عددها 4أو 5أو 6 أو عشرة موارد طبيعية وموارد ضريبية وجمركية وميناء وشريط ساحلي وأن تقسم الموارد بنسبة 50 % للحكومة الاتحادية “المركز” و50 % للإقليم المكون من محافظتين أو ثلاث و20 % تخصص في الاقليم الواحد لتنمية المناطق النائية بما يحقق تنمية متكاملة لتلك المناطق المحرومة سابقاً.. وأما نظام الفيدرالية من اقليم جنوبي وشمالي فكل اقليم يفترض أن يقسم إلى ولايات ثلاث وتكون لكل اقليم عاصمة إقليمية وبذلك تكون عدة عواصم وعاصمة اتحادية تمثل المركز الذي يضم المؤسسات الاتحادية، مقر الحكومة والبرلمان والوزارات السيادية، الدفاع والخارجية والمالية.. أما وزارة الداخلية في ظل نظام الأقاليم إذا أخذت به اليمن فلن تكون أكثر من مجرد وكالة أو جهاز مركزي وسيكون لكل اقليم جهازه الأمني المتكامل وهذا المشروع الحاضر على مستوى النقاش يتطلب التنظيم ويحتاج إلى وقت لتوفير البنية الأساسية الغائبة لعواصم الاقاليم غير المؤهلة أو غير المكتملة. ويتطلع المواطنون إلى دستور متطور يكفل توازن القوة بين الدولة والشعب ويمنع تركزها في يد فئة أو فئات محدودة من قوى المجتمع؛ لأن اختلال ميزان القوة لصالح فئة أو مراكز قوى تستحوذ على السلطة والثروة يؤدي إلى اختلال التوازن بين قوى المجتمع وفي نهاية المطاف يصبح استقرار الهيكل العام للدولة معرضاً للاهتزاز والخطر.. إن التوصل إلى حل عادل للقضية الجنوبية وبتعبير البعض إصلاح مسار الوحدة يعول عليه اليمنيون في إنجاز ما لم يتحقق عبر عمر الوحدة اليمنية ورغم الملاحظات حول أسلوب تعبير الشارع عن مستوى الإحساس بخيبات الأمل تجاه ما صاروا إليه بعد عقدين من الوحدة إلا أن الحقيقة الواضحة لغالبية أبناء الوطن هي حل القضية الجنوبية من خلال الحوار وتحت سقف الوحدة سيؤدي في ظل دستور يجمع عليه الشعب إلى اندماج اليمنيين بصورة حقيقية وتوسيع محيط توزيع القوة عبر تكافؤ الفرص والقدرات وتوليد الوظائف للمواطنين وتحقيق الاندماج بين الأجهزة الحكومية ومؤسستي القوات المسلحة والأمن بحيث يصبح الانتماء الأقوى هو الانتماء الوطني وحتى يكون الانتماء والولاء وطنياً لابد من أن تضمن منظومة الحكم بفاعلية لدور الانتقال الوظيفي والمصلحي على مستوى الوطن من أجل تحقيق الانصهار الوطني. تفهم المجتمع الدولي وحسب طرح أ.د. صالح باصرة فإن حل القضية الجنوبية على أساس النظام الفيدرالي خيار سيناقش على طاولة الحوار وهو ما يتفهمه المجتمع الدولي كضرورة للحفاظ على الوحدة وأمن واستقرار اليمن وهذا الاتجاه في النقاش يفتح الباب واسعاً للرؤى النقدية لواقع المجتمعات المحلية وحاجة الناس فيها إلى الوعي العالي والممارسات ذات الصلة بالمشاركة الفردية والجماعية في صنع القرار وإدارة الشأن العام المحلي وتحقيق المواطنة المتساوية. وحسب رأي الخبراء فإن التجربة الماضية لنظام السلطة المحلية رسخت مفاهيم قاصرة حول الحكم المحلي واسع الصلاحيات أو “كامل الصلاحيات” وهي مفاهيم غير علمية بل يرى البعض الآخر أن قانون السلطة المحلية رقم (4)لعام 2000م لم ينفذ كما يجب ومن هنا يأتي دفاع المدافعين عن الأخذ بنظام الفيدرالية باعتباره سيحقق نقلة نوعية في مستوى المشاركة السياسية والتنافس الإيجابي بين الأقاليم في تقديم أفضل ما لدى أبنائها لحرصهم على تحقيق النجاح. الحكم الرشيد أما الأهمية القصوى فهي لحل القضية الجنوبية وباقي القضايا والموضوعات التي وإن تعددت مع أنها تصب في بوتقة واحدة كالحكم الرشيد و الحوكمة ومكافحة الفساد والفقر فإن البحث المعمق لعدد من المحاور يصب في النهاية في بناء الدولة وصياغة الدستور المنشود الذي سيضع السياسيون المتحاورون موجهات وخطوطا عامة أو محدداته فيما يتصل بشكل الدولة وطبيعة النظام السياسية وما إذا كان برلمانياً أو مختلطاً فمن المؤكد أن خبرات اليمن ستكون رهن طلب مؤتمر الحوار عند صياغة الدستور. الطريق الأنسب ومن ضرورات بناء مستقبل اليمن الأجمل والأفضل أن يأتي الدستور القادم بما يتيح لكل مواطن خيارات كي يتجه الوجهة التي يريد ويسير في الطريق الذي يراه مناسباً له كما يجب أن يوفر المناخ الملائم لإطلاق الطاقات والإبداعات ويحقق تكافؤ الفرص في تبادل الأدوار والإمكانات فيها والأدوار متوارثة كما هو الحال في البناء القبلي الذي تمتاز به اليمن. أهمية الحوار الوطني من هنا تأتي أهمية الحوار الوطني لبناء الدولة الديمقراطية أو الحكم الديمقراطي الذي بات يعرف باسم الحكم الرشيد والذي يتطلب وعياً متنامياً يوجد به المواطن الرشيد أو ما يطلق عليه المفكر عصام القيسي :( الإنسان الإنسان) أي الإنسان القوي بمنظومته الأخلاقية وتكوينه المعرفي وسلوكه الصحيح باعتبار ذلك أهم من التفكير بشكل الدولة وطبيعة النظام السياسي المنشود وهو ما لم تتوفر مصادر بنائه في الماضي ويجب أن تتوفر من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وعلى رأسها الدستور الذي سيضم مبادئ الحكم الرشيد ويحدد معاييره ولا يقوم الحكم الرشيد إلا بالممارسة الديمقراطية الحقة والقيادة الأخلاقية وتلازم المسئولية والنزاهة والرقابة والمحاسبة وعلى قاعدة الشفافية واحترام حقوق الإنسان ومبادئ أهمها تكافؤ الفرص والقدرات ومساءلة الموظف العام باعتباره خادماً للشعب سواء كان في قمة الهرم السياسي أو في القاع لا فرق. ومن الطبيعي أن يتعمق النقاش حول الدستور القادم والذي ينبغي التفاؤل بشأن مهام الفرق واللجان الفرعية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل والتي ستشمل ما تخرج به من مناقشاتها لمحاور المؤتمر بمجموعة ترؤس لبناء ماكنة صناعة الدستور والحياة اليمنية المثلى في المستقبل؛ لأن تعدد اللجان يحقق غرض تعميق النقاش حول الرؤى والتصورات وتأسيس الدولة على أسس سليمة وبشكل صحيح برضى الناس جميعاً وبما يجسد فكرة الخلاص من التخلف بأشكاله وصوره.