لا ينكر أحد أن جماعة أنصار الله استخدمت القوة المسلّحة ضد سلفيي دماج في محافظة صعدة, كما لا ينكر أحد أيضاً أن السلفيين استخدموا القوة المسلّحة لمواجهة أنصار الله, وأن المواجهة بين الطرفين امتدت إلى جهات أخرى في صعدة وخارجها, وأن الدولة كانت وسيطاً بينهما وراعية للحل السلمي بموافقتهما. في النهاية التي آل إليها الصراع الدامي في دماج, خرج السلفيون من المنطقة التي استوطنوها, ويتحمل أنصار الله ذلك وهم كذلك مسئولون عن هذه النهاية, وتحسب عليهم بأي حال, لكنها تحسب أولاً وأخيراً على دولة غابت عن القضية من بدايتها, وقبلت بهذا الغياب في نهايتها, ومع ذلك تبقى دماج, ومعها صعدة وتوابعها قضية وطنية وشأناً عاماً يواجهنا بتداعيات ماضيه في الحاضر والمستقبل. الشحن الطائفي والتخوين السياسي رافقا أزمة دماج وانحرفا بها بعيداً عن حقيقتها القائمة في الواقع, وقدما لها صورة مشوّهة وغامضة بعد أن جرّدا طرفيها من الطابع الوطني الجامع لهما في الوطن والشعب لجماعة سكانية في جزء من الأرض من خلال الخطاب الذي استدعى ثنائية سنة - شيعة وعمل على أن تكون المواجهة في دماج عدواناً شيعياً على السنة وأهلها، ودفاعاً سنياً في مواجهة المد الشيعي. ونحن هنا, أو أنا شخصياً في هذا المقال, نقول بخطأ ما جرى ابتداءً وانتهاءً, باعتباره حدثاً يجسد غياب سيادة القانون, فإذا سلّمنا جدلاً أن أنصار الله اعتدوا بالقوة المسلحة على سلفيي دماج, فإن السلفيين من جهتهم لجأوا إلى قوتهم المسلحة في مواجهة هذا العدوان ولم يحتكموا في دفعه عنهم, إلى سلطان الدولة, وسيادتها, وبالتالي جعلوا أمر الحسم رهناً بنتائج الصراع المسلح ابتداءً من كتاف وامتداداً إلى العصيمات, وهنا انتهى الوضع بحكم الأقوى والمنتصر. لا تنته مسألة دماج بخروج السلفيين, فهي باقية في استمرار العمل على تغييب الدولة من قبل المشايخ, ولذلك فإن دماج وما جرى فيها وانتهت إليه, أحد العناوين البارزة للقضية الوطنية, والمماثلة في دلالاتها لوقائع الاعتداءات المتكررة على وسائل نقل النفط والكهرباء والاختطافات التي تنتهي بمكافأة الخاطف, وغير ذلك من الوقائع التي تجسد سيادة القانون والسلطة على جغرافيا القبيلة وسلطة مشايخها, لذلك فإن الحل الوحيد لمسألة دماج هو في القبول الطوعي لسلطة الدولة واستدعائها للحكم في الأرض وبين الناس. [email protected]