جل في علاه.. إنه لا يحب الفرحين، الفرحين بزهو وخيلاء، فرح ينسيهم أن في السماء رباً يحكم بما يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء، وبيده كل شيء، تنقلب كل الموازين، ومن كان يعتلي الكرسي بزهو وافتخار، يسحق الناس تحت قدميه، بات تحته يتوسل الرحمة من الناس والشفقة. هذا لا يعني أننا يجب أن لا نفرح، لكن يجب أن نعرف كيف نفرح ومتى، وإن كان هذا من أشباه المستحيلات، لا سيما في أوضاعنا الحالية، لكن أن نفرح ثم نصدم، ونحن على ثقة أننا نكذب على أنفسنا، لأنه لا يوجد أمامنا ما يستحق منا هذا، فعذاب نخترعه لأنفسنا، نستحقه هذا ما شاهدناه في يوم اختتام مؤتمر الحوار، فمنهم من كان يصفه بالأسطوري، ومنهم من كان يصفه باليوم الذي لن ينساه التاريخ، ومنهم من كان يصفه بيوم يعجز الوصف عن لسانه، ومنهم.. ومنهم.. وكان البعض يبالغ مبالغة تبعث على الضحك، وكأننا لم نعش تفاصيل مؤتمر الحوار، ولم نتتبع كل ما حدث فيه، ولم نعرف كيف تخاصم المتخاصمون، فكل شيء كشعب سمعنا به ورأيناه، ثم لم نر ما كان يجب أن نراه، كان من المفترض أن تعلن مخرجات الحوار في كل وسائل الإعلام، وتخصص لها برامج، وصحف وجميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وكل ذلك لسبب واحد، هو لنعلم إلى أين نسير في هذا الوطن، ولنفرح كما فرح غيرنا ونعرف في أي وضع نحن، وهل تصالحت الأطراف مع بعضها، تصالحاً حقيقياً لا مجرد وثائق، ثم ندفع نحن الثمن من دمائنا وفلذات أكبادنا، وهم ترتفع أرصدتهم في البنوك، وتزيد عقاراتهم في الداخل والخارج، ثم يمثلون أمامنا مشاهد بطولية للنضال والوطنية والبطولة والتضحية، ونحن نصدق كالعادة، ثم تتمزق قلوبنا رعباً وألماً عندما نسمع صوت انفجار جديد، ونشاهد دماء جديدة تراق دون أي ذنب.. هذا لا يعني أننا لم نفرح يوم اختتام مؤتمر الحوار، ولم نؤمل خيراً لكننا تمنينا أن نفرح بصدق يوم تطبيق تلك المخرجات، لكن على الأقل ربما تطبيق الصالح منها قد يغير من الواقع أي شيء، وبأي مجال من المجالات حتى على مستوى التربية والتعليم. لكن هل ستتطبق تلك المخرجات، هل سنجتمع مرة أخرى على طاولة واحدة، هل سنعود كما كنا حتى على الأقل مع أنفسنا، هل سيكون هناك ثمة إحساس على الأقل بحرمة دم الإنسان اليمني، الذي بات دمه أرخص بكثير من ثمن سلعة منتهية الصلاحية، وماهي الضمانات التي تضمن لنا تطبيق هذه المخرجات، لكننا سنؤمل بالله خيراً، وبأن هذا الوطن مازال فيه خير في كل شيء، حتى في ذرات ترابه المتعبة، مهما سالت الدماء، وتآمر المتآمرون، وتسلط المشائخ والمتنفذون وكذب السرق وأشباههم، لدينا أمل إيماناً بأن هذا الوطن له رب وشعب، لكن أتمنى أن لا نتصنع الفرح تصنعاً حتى لا نكون من الفرحين المتبخترين، أن نسعى لهذا الفرح سعياً دؤوباً، لا نختلقه اختلاقاً يجب أن نفرح حقاً عندما نرى وطننا بخير، نعيش فيه بأمان، ونحقق فيه حتى أبسط أميناتنا بحياة آمنة، ونصل لأي حق من حقوقنا، حينها لنفكر بالفرح.. ودمتم بخير.