تسارع وتيرة الأحداث في المناطق التي تحوط العاصمة صنعاء، وعلى وجه الخصوص الأحداث التي شهدتها منطقة همدان وأدت في أيام قلائل من الأسبوع الماضي إلى سيطرة الحوثيين على معظم مناطق المديرية «الشمالية الغربية» المحاذية لمحافظتي عمران والمحويت بعد معارك «غير ضارية» مع مقاتلين قبليين من المنطقة نفسها محسوبين على حزب التجمع اليمني للإصلاح، هذه التسارعات تجعلنا أمام صورة مجهرية بالغة التعقيد والخطورة لما قد نشهده خلال الفترة القليلة القادمة على نحو انتقال المعارك بين الطرفين إلى مدينة صنعاء نفسها. فوقوف السلطة «الجيش» من معارك كسر العظم بين ميليشيا قوى الكهف «الإصلاحوثية» ابتداء من منطقة دماج في صعدة؛ مروراً بحاشد وصولاً إلى أرحب والجوف وقبلها في كتاف والملاحيظ «حيث حقق الحوثيون مكاسب مهمة على الأرض» موقف المتفرج لأسباب غير واضحة تماماً وغير مقنعة بالأساس بما فيها تلك التي ترى في ذلك حكمة يمارسها رئيس الجمهورية الذي يكتفي في كل مرة بإرسال لجان رئاسية للوساطة «من قيادات عسكرية وأمنية ورموز قبلية» لحل التنازعات المتفجرة هنا وهناك، فهو حسب هؤلاء لا يريد توريط الجيش في مستنقع الحروب كما فعل سلفه الرئيس السابق علي عبدالله صالح في حروب صعدة الستة. ولأن تصارع قوى الكهف الدموي وطول أمدها واتساع رقعها في معظم محافظات الإقليم «صعدة، عمران، صنعاء» المقترح في الدولة الاتحادية المقبلة سيخفّف من حمولة الضغوط التي تفرضها عليه مراكز النفوذ القبلية والعسكرية المحشورة في هذه الرقعة، تبرير مثل هذا يصطف خلفه صوت قوي حتى من المثقفين أنفسهم، وهذا الصوت في سياق نفسي محدّد يمكن التعاطي معه من زاوية رغبة الجميع في التخلص من القوى التقليدية المحافظة بتركيبتها «الديقبلية» حتى تستطيع القوى المدنية النهوض من سباتها لتتحوّل إلى حامل حقيقي للتغيير والتحوّل. هذا الطرح «بجاذبيته» يسقط أمام قراءة الاحتمالات التي ستترتب على انتقال المعركة إلى العاصمة؛ إذ لن تُبقي ولن تذر أقلها أن القوى المعوّل عليها قيادة التحوّل وتقف موقف المتفرّج الآن هي أول من سيدفع الثمن الباهظ لهذا الجنون الذي سيغدو حاضنه ومشغله مذهبياً ومناطقياً، أقله أن عاصمة اليمنيين جميعاً «صنعاء» ستتحوّل إلى مربعات طائفية أسوأ من بيروت الثمانينيات؛ كون الفرز في عديد أحياء من العاصمة يتم الآن على أساس طائفي صرف، وأن الجيش الذي يقف ذات الموقف المتفرج سيدفع هو الآخر ثمناً أقله تفككه وتشظيه وتوزع قواته على قوى التطاحن، كل حسب هويته وانتمائه الجغرافي والمذهبي. وما لا يمكن إغفاله في مقاربة الحالة و«مجهرتها» أن حزب التجمع اليمني للإصلاح بأذرعه التي شكّلت عند الجميع رهبة طيلة سنوات، تحوّلت إلى نمور ورقية في مناطق عمقها القبلي تماماً كما مثل حال مقاتلي أولاد الأحمر في مناطق نفوذهم في الخمري وحوث ودنان والقفلة أمام مقاتلي الحوثي الأكثر شباباً وجرأة. والسبب في ذلك أن الإصلاح منذ حضوره في الحياة العامة وهو جزء مفصلي من السلطة بتطيفها الغاشم، واكتسب «وهم» قوته في هذه المناطق من هذا التلازم ومسنوداته المالية واللوجيستية المهولة التي فرضت حضوره خلال العقود الماضية وليس من شعبيته وصلابة فكره في أوساط المواطنين، وأن اطمئنانه الزمني الطويل على «تفسيل» الأنموذج الوهابي المتشدّد في المناطق الزيدية الفقيرة والمتخلّفة، ارتدت وبالاً على حضوره السياسي والاجتماعي في هذه المناطق التي كان لمغنطة المذهب وهويته القوة الأقدر على جذب الجميع إلى عربة السيد التي يظنون بقدرتها على دهس الجميع في طريقها لاستعادة سطوة المذهب وسلطته من الدخلاء على هذه الجغرافيا. بالمقابل على الحوثيين أن ينجزوا مراجعات مهمة وعلى رأسها علاقتهم بالمجتمع كله، ولا تأخذهم زهوة الانتصارات وبهارجها الوقتية على خصومهم المذهبيين والقبليين إلى مساحة التجبر مستندين على قدرتهم المهولة في التجييش والتنظيم والتجذيب المذهبي، مستغلين «هوان وهزال» خصومهم الغارقين في وهم السلطة واستغراقها «البشع» لمقدراتهم السياسية. إن الممارسة البشعة في تدمير المساكن والمنشآت تعيد ترتيب صورة الحوثيين في الأذهان بطريقة أقرب إلى البربرية بعيداً عن صورة المظلومين والمستضعفين التي تشكّلت عند مناصريهم من قوى الحداثة والمدنية في سنوات حرب السلطة عليهم بين «2004 و2009». فالقبول بتدمير مساكن أولاد الشيخ في الخمري ووادي دنان عند الكثيرين كان من باب تعظيم صورة الترميز الذي يحمله معنى التلازم بين السلطة والثروة التي رسمها الشيخ الأحمر وأبناؤه على مدى العقود الخمسة الماضية في المناطق القبلية الزيدية الفقيرة التي أُجبرت على الحياة تحت رحمة الشيخ وفي طاعته، دون أن تمسسها تحوّلات العصر ووسائله في التنمية والتعليم. لكن أن يتحوّل نهج التفخيخ للمنشآت والدور «التي كان باستطاعة الحوثيين تحويلها إلى أماكن منفعة للمجتمع» إلى لحظة لاستعراض القوة والزهو، يعيد إلى الأذهان أساليب السلطة الغاشمة التي استخدمت ذات الطرائق للتنكيل بالخصوم من خلال تدمير مساكنهم في المناطق الوسطى ومناطق الصراع الأخرى طيلة سنوات أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي. باختصار.. وحدها القوى المدنية هي التي ستدفع الثمن الأخطر للتناحر «الأهوج» بين الإصلاح والحوثيين وتحالفاتهما القبلية والعسكرية، لهذا يتوجب على هذه القوى بكل أطيافها خلق قاعدة مجتمعية واسعة لإسكات صوت الكهف الذي لن يأكل بعضه وإنما سيفتح فمه الخرافي لابتلاع البقية الباقية من روح المجتمع الراغب في إنتاج لحظته بعيداً عن هذا الجنون. أيها «الإصلاحوثيون» عودوا بميلشياتكم الدموية إلى الكهف، واتركونا نحلم بسلام. [email protected]