ودّع أبناء “عزلة شرجب” حجرية أحد أبنائها التُقاة الورعين الصادقين في تعاملاتهم وتعاطيهم اليومي مع الآخرين، لا من أبناء منطقته ومسقط رأسه وحسب، وإنما مع كل من تعامل معهم واختلط وعاش في وسطهم، إنه المرحوم الذي اختاره المولى عز وجل إلى جواره في أواخر الأسبوع المنصرم “علي عبده صالح الشرجبي” إنه ثاني رجل بعد أخيه الأستاذ محمد عبده صالح صاحب “جريدة سبأ” المشهورة التي توقّفت عن الصدور في أعقاب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، لكن الأستاذ محمد عبده صالح احتفظ بحقه في هذا الاسم التاريخي “سبأ” وأطلقه على مطبعته الشهيرة ب«مطبعة سأ» التجارية الواقعة في الشارع الرئيس لمنطقة “الجحملية”. وجدير بالذكر من أن مقر المطبعة لايزال موجوداً حتى يومنا هذا، ولربما أن أجزاء من المطبعة قد أصابها التلف والصدأ جرّاء بقائها على هذا النحو.. وعقب ثورة سبتمبر وقيام الأستاذ محمد عبده صالح بإنشاء مطبعته المذكورة استدعى أخاه علي المتوفى إلى العمل لإدارة وتشغيل هذه المطبعة الجديدة، حيث كان علي قبل هذا يعمل في صحيفة «الجمهورية» فلا أدري ما إذا كان قد استقال أم أقيل، وبالفعل قامت مطبعة سبأ بدور مهم، خاصة أن المطابع كانت محدودة، أو بعبارة أدق لم تكن في تعز آنذاك بعد أية آلات طبع، وكان علي عبده صالح يمثّل الدينمو الوحيد في هذه المطبعة، واستمرت بأداء دورها التنويري حتى عقب وفاة الأستاذ العزي محمد كما كان يحلو للعديد من أبناء “الجحملية” أن يدعوه، وفي عقب وفاته بسنوات أخذ وضع المطبعة بالتدهور، الأمر الذي أدّى إلى إغلاقها نهائياً ولا سيما عندما تتضارب آراء وأفكار الورثة، وهذه طبيعة البشر. وما تجدر الإشارة إليه هنا هو ما دمنا بصدد الحديث عن المرحوم؛ فلابد لنا وللأمانة القول إن المرحوم كان قد اختاره أبناء شرجب لأكثر من مرة أمين صندوق لجمعياتهم المتعاقبة، وكان كل مرة عند نهاية فترته المحدّدة يحاول التخلّي عن منصبه ودوره كأمين صندوق؛ يأبى أغلبية أعضاء الهيئة العامة إلا أن يتمسّكوا به وبموقعه؛ لأنهم لمسوا فيه وبتصرّفاته وتعاملاته قمّة النزاهة والطهر والنقاء إلى حد أنهم أطلقوا عليه لقباً لا ينسجم أو يتفق مع سلوكيات العديد من أصحاب الألقاب الذين يئن من تصرّفاتهم المواطنون في أرجاء البلاد..!! فكانوا يدعونه ب«علي الشيخ» ولأن الناس كان في نظرهم وقناعاتهم أن عبارة الشيخ ليست لأولئك الذين أخذوا هذا اللقب لأذية عباد الله؛ وإنما هو يُطلق لوقار الشيوخ الكبار في السن، وشيوخ العلم في علوم الحديث وخلافه، ذلك من علوم الدنيا والدين وثمة ميزة، أو بعبارة أصح كانت تميّز هذا الإنسان في أنه كان محبوباً وودوداً مع كافة الذين عرفهم وعرفوه من أبناء الجحملية، على اعتبار إن أغلبية سكان هذا الحي قد كانوا من أنحاء شتى من مناطق اليمن، ورغم ذلك كان ثمة إجماع على خُلق الرجُل العالية وسمو سلوكه وأصله، وعلى مدار السنوات التي أمضاها في هذه المطبعة، فقد كنت كلما زرته لا أجد عنده ممن يتبادل وإياهم أطراف حديثه إلا أناس أغلبهم من غير منطقته ومسقط رأسه. الرحمة والغفران تغشى روح المتوفى، والله أسأل أن يسكنه فسيح جنّاته، وأحر التعازي القلبية لأولاده: جمال وفؤاد وعبدالسلام ورائد وكافة أفراد الأسرة.. «إنا لله وإنا إليه راجعون».