الحرية ليست تمرداً من أجل الذات الفردية وإن كان التمرد وسيلة من وسائل الحرية..الحرية مبادىء وقيم تنبع من دوافع الحرية الواسعة التي لا تقبل التقزم ولا تتعامل مع الأنانيات الخاصة.الحرية الواسعة هي التي تبدأ بطلب الحرية للإنسان كإنسان قبل حرية «الأنا» التي هي جزء من حرية الكل.. بوابة الحرية واحدة وهي البوابة الإنسانية العامة ومن خلالها نحصل على الحريات الجزئية والفردية والجهوية. مشكلة الحرية العربية أو تعثرها هو أن كلاً يطلبها لنفسه على حساب الآخرين من بوابة الأنا الأفضل والأقدر «لنا الصدر دون العالمين أو القبر» وهي بوابة تنتهي إلى قتل الحرية وإعادة إنتاج العبودية وتغيير شخوصها فقط في عملية تدويرطويلة ومملة للاستعباد.. قد تنجز بوابة طلب الحرية الجزئية الخاصة شيئاً ما لكنها لا تنجز أبداً الحرية وهي ليست حرية بل صور من صور التغلب والتمرد على الحرية وليس من أجلها. فالقتال من أجل مجد خاص فردي أو فئوي لا صلة له بالحرية على الإطلاق وهذا هو المأزق الحضاري للحرية في الوطن العربي. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم البشرية الحرية الواسعة كبوابة للحرية الخاصة والتي تناهض الأنانية أولاً لتستقيم بصورتها الحقيقية وهي حرية تبدأ بالتجرد ونكران الذات والتضحية من أجل الحرية كمبدأ للإنسانية وللناس عامة دون تفصيل أو تحديد، ولهذا كان العربي المسلم الذي رضع مفهوم الحرية من معلم الحرية محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام يفهم الحرية بكل جوانبها وفلسفتها باعتبارها إطاراً إنسانياً واسعاً لايقبل التضييق ورسالة عالمية لا تقبل التقزيم والانتقاء.. فأي انتقاء أو تمييز عرقي أو سلالي أو فردي يذهب بالحرية بعيداً إلى نقيضها وبقيم الإسلام إلى الجاهلية «إنك امرؤ فيك جاهلية ». سأل كسرى الفرس عربياً فهم الإسلام كحرية: ما الذي أخرجكم؟ السؤال فيه كثير من السخرية بحال العرب لجهله بالمتغير الحضاري الجديد في نفسية العربي المسلم، فأجاب العربي بوضوح وبساطة: «خرجنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد».. إنها الحرية الإنسانية الواسعة إذاً, جوهر رسالة الإسلام وهي رسالة أهملها المسلمون بقصد وبدون قصد وتخلوا عنها ورموا بأنفسهم في سلة مهملات العالم. ابن حاكم مصر وفاتحها عمرو بن العاص لطم قبطياً زاحمه في اللعب وهو «غيرمسلم».. بالمناسبة كان يظن أن الحكم سيأتي خفيفاً يناسب مقام الفرق بين المقامات الوهمية والحاكم والمحكوم، لكن عمرالفاروق انتصر للحرية كرسالة للإسلام وبكل حزم أمر «القبطي» كمواطن أن يلطم ابن حاكم مصر، انتصاراً للحرية والمساواة والعدل وأطلق الفاروق قولته المشهورة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». إذاً الحرية هي حق للإنسان بمجرد مولده وهو مبدأ إنساني سبق كل الحضارات ودعوات حقوق الإنسان. كان الأصل أن العرب يحكموا العالم تحت هذا المبدأ الإنساني الخالد الذي سبقوا به العالم، لكنهم ارتدوا وانتكسوا ليختفي الشعار أو مات، ولم يعد العرب مؤهلين لقوله أو رفعه فرفعه آخرون بطريقتهم. وأخذ حكام العرب يبحثون عن مبررات العبودية وقتل الحريات مؤكدين بكل سفالة وهبوط بأن العرب قوم لا يستحقون الديمقراطية والحرية أو بمعنى آخر يستحقون «الدعس» كما نسمع اليوم دون أن تستفز هذه الجملة الكثير, والمؤسف أن ترى بعض المثقفين وأدعياء الحرية يروجون لها والسبب أن لاعلاقة لهؤلاء بالحرية كقيمة وأن «فاقد الشيء لا يعطيه». [email protected]