لدينا رصيد هائل من المفقودات العزيزة، لدينا بلد مثخن بالمواجع، وكلما فكّرنا في التحليق بعيداً؛ جذبتنا المتاهة إلى حمأتها والدوران المستمر. كنا نعاني وله المتاهة حين غرّد ثلاثة أطفال يمنيون خارج السرب ومنحونا فرحاً في غير الموسم؛ إذ أننا – أقصد أغلب اليمنيين - لم نعد لنحتمل أو نتقبّل فكرة الحياة خارج دواماتنا الحميمة ونحتفي بأشيائنا المتبقية. وقد قلت مرّة: المعاناة لا تولّد الإبداع بل تقتله؛ خاصة إذا كانت الكهرباء مطفأة؛ وأشير هنا إلى افتقارنا للفرح كمكوّن حياتي مهم، وعجزنا عن توليد أنماط حياتية سعيدة، فليس بالضرورة أن تتوقف الحركة الإبداعية وتسقط خشبة المسرح؛ لأننا مشغولون بمكافحة الإرهاب والبحث عن الماء والكهرباء والديزل. ثلاثة أطفال يمنيون كسروا القاعدة وقدّموا استثناءات جميلة لفرح صعب قد يكون ممكناً فيما لو أننا انتبهنا لذلك، إنه فرح صغير على هامش المعتاد، وكبير بالنسبة لبلد يجانبها الفرح والحظ. عاد شهاب الشعراني ب«المركز الأول» بعد أن اكتشفنا كنز صوته ومنحنا فترة من النقاهة الروحية عشنا فيها شغف المتابعة ولحظات احتفاء خارج التقويم السياسي. ولما وجد عالِم سعودي في ترنيمة الطفل اليمني التميمي ما دفعه إلى التواصل معه وتكريمه بجائزة وعُمرة؛ كان علينا أن نعيش لحظات شغف مع «سُعيدو من عرف ربه سُعيدو» واكتشفنا روعة موروثنا الشعبي وجاذبية اللهجة البسيطة وصفوان المشولي. وقرأنا على هذا الصعيد المبهج تكريماً وحفاوة رسمية في المملكة السعودية بطفل يمني صنع موقفاً وتصدّق بمصروفه اليومي باستمرار لروح زميله الراحل. يقول لنا هؤلاء الأطفال: اليمن آتٍ لا ريب؛ فقط دعوا «سمسم المستقبل» يفتح لنا أبوابه، وحاولوا ما استطعتم سبيلاً الخروج من متاهتكم العريقة.