لقد لعن القدماء الحرب وذموها, ورغم ذلك تفنون في صنعها واختلاقها، بين الفينة والأخرى, بل عاش البعض منهم عليها، ومثيلاتها من السلب والنهب والإغارة على الآخرين؛ للاستحواذ على ما يملكون, بل واستعبادهم وتقييدهم, والقضاء على حريتهم وسبل عيشهم بكرامة وعزة, والحرب اليوم تنوعت وتعددت أشكالها وأنواعها، ما بين حروب ظاهرة وأخرى خفية, هي حرب تبدو قدرنا كيمنيين أن نعيشها بصورة متكررة، لا تكاد تهدأ أو تستكين.. فكل شيء يحيلك إلى الحرب وتفاصيلها المملة والدموية، وغير الأخلاقية, فنحن إلى الآن لم نمتلك أخلاق المحاربين لا القدامى ولا المحدثين، هذا ما نلاحظه ونلامسه، والشعب يواجه الموت هنا وهناك، ولا عدو واضح أمامه. في حروب تحت مسميات متعددة، شطرية، وأخرى وسطى، ثم للحفاظ على الوحدة كما قيل، وحروب ستة في صعدة، حروب ما بعد ثورة فبراير وأثنائها، وحروب الحوثيين الأخيرة والمستمرة والمتمددة، فحروب القاعدة التي لها تفاصيل متشابكة وخيوط غير مفهومة، تغيب عن المواطن العادي، وربما عن الخبراء الاستراتيجيين والمتخصصين في شؤون الإرهاب، ناهيكم عن حروب أخرى اقتصادية واجتماعية، تطال أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز, وتعمل على احتكار السلع الأساسية، وتحترف السوق السوداء في كل شيء، حروب تدمر البلد بانتهاج التدمير والتهريب والإفساد في كل شيء تطاله يداها.. فالمتابع لما يجري يحس كأننا في مأزق، فالصراعات السياسية تنال من كل شيء, وهي التي كانت نتاج الماضي, أو وليدة اليوم, نجد أن المواطن ليس له فيها ناقة ولا جمل, بل ضحية منسية، تدفع الأرواح والممتلكات فاتورة يومية لها، وهي التي لا تبقي ولا تذر غير أن يجد المرء نفسه في واجهة مستقبل مجهول، محاط بكل المخاطر وهول الحروب، تأتي إليه تجر أذيالها، وهو في بيته وسط أهله، وقد تنال منه ومن كل محبيه, وهو لم يكن مفكراً بها البتة, فالمواطن العادي القاطن في همدان أو الرضمة, هل كان يتوقع أن تصل إليه حروب تحت دعاوى مذهبية, هل قذائف الحوثي كانت ستنال منه وأفراد أسرته..؟ وذلك الآخر في مودية أو عزان أو الوضيع أو رداع، أو في غير ذلك من مناطق اليمن, هل كان يفكر أيضاً بأنه سيغدو على فوهة مدفع القاعدة.. فكل ذلك لا يزال يدل على أن أرخص شيء في هذا الوطن هو الإنسان الذي غدا قتله مبرراً وبسيطاً جداً، بشرط وضعه تحت شعار مقدس معيّن. لا يعلم كثيرون أن تحت هذا الشعار المقدس أطماعاً بشرية، وأهدافاً سياسية، وحباً للاستبداد والسيطرة. والذي يثير فينا عندما نشاهد الشعوب الأخرى قد أمنت في أوطانها، ونحن يقتل فينا المحلي والأجنبي، العربي والأفغاني, الناس يحيون في رغد من العيش، ونحن في ضيقه وضنكه، وهذا ما يجعلنا نفكر بأن هناك شعوباً تظفر بدعوات مستجابة، تتنزل عليها بركات وطمأنينة، بينما نجد شعوباً أخرى كأن عليها لعنة من السماء ووابلاً من العذاب في صورة مستمرة، لا نهاية لها، ويوماً بعد آخر نتمنى أن نكون في وضع أجمل من هذا، وضع يسعد فيه الجميع، وقد انتهت فيه منغصات الحياة، من قاعدة وعصابات أخرى مسلحة، وجدت لها مؤخراً التربة الخصبة لتكاثرها أو هيئ لها ذلك، فعملت على إثارة الرعب والفزع في أوساط الناس، تحت ذرائع واهية، هي أوهن من بيت العنكبوت، ولا نظنها مستمرة، فالخبث والباطل إلى زوال، وهذا هو ديدن التاريخ، وهو لا يرحم كما نظن ونعتقد وأن مزبلته فاغرة فاها لكل خبيث..