الوحدة اليمنية، وما رافق قيامها في 22 مايو العام 1990م، من زخم إعلامي وعاطفي في صدور الجماهير على كامل الأرض اليمنية، والتي أيدت هذه الجماهير، وبشكل مطلق تحقيق الوحدة والتي كانت تعني لكل اليمنيين دون استثناء ان استقراراً لمعيشة الناس في حياتهم سيتحقق وسيتحقق العدل لصاحب كل ذي حق. لكن ما حدث وهذا لمجرد الإشارة وليس نقداً أن تلك الصورة التي كانت تداعب أذهان المواطنين في شمال الوطن وجنوبه في حياة مستقرة وآمنة، بعيداً عن الافتئات والظلم في إعطاء الحقوق دون تمييز، بدأت تهتز مع تتالي الأزمات العامة والخاصة بشكل مزر ومقيت، وبدأ الندم يطغى على نفوس الناس من ضياع الاستقرار. وباختصار شديد بدأ المواطنون اليمنيون يصطدمون بواقع مغاير مفجع لحدوث المشكلة المعيشية التي تنضوي تحت مظلة المشكلة الاقتصادية التي أخذت في التداعي والاهتراء، انعكست على تدني الوضع المعيشي عند كل المواطنين مع بدء المرحلة الانتقالية وحتى نهايتها مع انتخابات 93م، وما صاحبها من تبييت واضح للاستئثار بالانفراد بالسلطة، من جانب شريك الوحدة والذي كان من القوة في نيلها بعد تهيئة المناخات الكاملة والتحالفات التي شاركت في إضعاف شريك الوحدة الآخر الاشتراكي عبر سلسلة اغتيال لخيرة كوادره، وعبر وسائل عديدة ناجحة لست بصدد ذكرها توج كل ذلك بحرب عام 94م غير المتكافئة والانتصار للطرف الأقوى والذي رفع شعار ال«شرعية». والتي عززت من قوته السياسية بإعلان علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي حينذاك في ظرف “ غير موات” الانفصال. ذلكم ماحدث ولكن المنتصر كان يفترض به أن يستغل الفرصة التاريخية التي مكنته من الانفراد بالسلطة بعد الحرب أن يعمل على تسكين آلام الجراح، بل ومداواتها عبر إعطاء كل ذي حق حقه، ومحاولة عمل إصلاحات اقتصادية نسبية، كي تنعكس إيجابياً على معيشة المواطنين، فبدلاً من تحقيق ذلك حدث العكس حيث تمت حركة إقصائية للكوادر والقيادات العسكرية الجنوبية التابعة للاشتراكي ، إما بالتسريح أو بالتقاعد الإجباري ومثل ذلك الإقصاء حدث لكوادر الحزب في المرافق المدنية. ومازاد من تعقيد الأزمات في الجانب الجنوبي ترك النافذين يعيثون فساداً في نهب ومصادرة الأراضي العامة والخاصة، بأساليب وطرق استفزازية جعلت من المواطنين يبدأون في تنظيم تشكيلات احتجاجية من العسكريين المبعدين والمواطنين المتضررين، وأيضاً المتعاطفين معهم في تنظيمات متعددة، وصلت إلى مستوى متقدم في العمل الاحتجاجي إلى ما يسمى ب«الحراك الجنوبي» بل وصل الأمر إلى المطالبة بالانفصال استمر هذا الحراك بالنشاط والتنمامي. حتى وصلت القضية الجنوبية، ضمن قضايا عديدة إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي انتهى باتفاق وتوافق بإنشاء وقيام دولة اتحادية من ستة أقاليم، شارك في ذلك المؤتمر مكونات عديدة ومنها مكون القضية الجنوبية. ونحن هنا لن نقدم أحكاماً جزافية حيال نجاح أو فشل نظام الأقاليم في الدولة الاتحادية والتي تعد كتجربة لمشروع مستقبلي قادم، نهفو ونرجو مع كل الشرفاء في هذا الوطن أن تهيّأ له الظروف المناسبة وكذا الإمكانات المناسبة لقيامها بعيداً عن قوى الشر التي لا تريد استقراراً لهذا الوطن. ويبقى الأمل معقوداً في الدولة الاتحادية القادمة، للخروج من الأزمات الكبرى الطاحنة التي تهدد أمن ووحدة الوطن بكاملها والذي يبدأ التمهيد للطريق الموصل لهذا المشروع القادم ال«دولة الاتحادية» بقص وبتر مخالب الفاسدين، أياً كانوا وأياً كانت مراكزهم وانتماءاتهم الحزبية. فقضية الفساد في تداعياتها المخيفة والتي وصلت إلى حد لا يطاق تحمله، عند كل مواطن شريف ومالم تزل عقبة الفساد التي صارت من الخطورة التي تهدد الاستقرار العام والخاص فحتماً سنبقى بعيداً عن نقطة الوصول في تجاوز الخطوة الأولى، نحو تحقيق مشروع الدولة الاتحادية.