قال تعالى “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” صدق الله العظيم. بما أن القضاء سلطة لا سلطان عليها فهذا يعني أن الأمانة التي يتحملها القاضي كبيرة وجسيمة ولأداء هذه الأمانة لابد من تقوى الله أولاً والأخذ برقابته قبل رقابة الضمير والاحتكام في الأمر والقول إلى صحة ومصداقية الحجج إزاء أي قضية ينظرها هذا القاضي أو ذاك وأن تكون قاعدة قراره الخوف من الله سبحانه وتعالى من هذا أو ذاك. في واقعنا القضائي وفي مسيرة القضاء برز إعلام وحكماء في قول كلمة الحق وفي صواب ودقة أحكامهم وفي وقوفهم بوجه الباطل مهما كان جائراً أو غائراً.. وأذكر في هذا السياق فضيلة العلامة المرحوم والمغفور له بإذن الله سبحانه وتعالى أحمد محمد الشامي الذي عاش حياته قوياً في إحقاق مبدأ العدل وحماية ميزانه ناصراً للمظلوم من الظالم لم تغره الماديات ولا يأبه بوساطة فلان أو رجاء علان وكانت له صولات وجولات في مقارعة ومواجهة ذوي النفوذ في الجاه والمال والسلطان.. كما أن المناصب الرفيعة لم تغره ويسجل له موقعه في هذا السياق عند تركه منصبه كوزير، لأنه مؤمن بعدم الخضوع أو الخنوع إلا لله وأذكر له رحمة الله عليه مواقف عندما كان رئيساً لمحكمة استئناف محافظة تعز.. حيث كان يحسب لمواقفه وعدالته ألف حساب من قبل سماسرة وجلاوزة الظلم. ومن أقطاب القضاء المشهود لهم بمهنيتهم وحصافة حكمتهم ورجاحة رأيهم وفكرهم في خدمة القضاء والرفع من شأنه في الواقع فضيلة العلامة القاضي عصام السماوي الذي اقتربت بحكم عملي كصحفي وهو رئيس لمحكمة استئناف محافظة عدن فوجدت فيه الزهد والدقة والتواضع.. كان يحضر باكراً قبل غيره من القضاة ويترك مقره آخر العاملين في المحكمة.. كان بابتسامته وصفاء سريرته وفطنته يقابل المتخاصمين ويسمع منهم.. كان حريصاً على أن لا يخرج إلا وقد قضى حاجة الشاكين ومبتغاهم من العدل والإنصاف وكان حديثه إليهم كالبلسم الشافي لمعاناتهم من طرق أبواب بعض الحكام خارج الدوام.. كان له بصمات في الارتقاء بمستوى أداء المحاكم في عدن إلى الأفضل كما سمعت أنه غادر حضرموت وآهات الناس وحسرتهم على انتقاله مع أن ذلك إرادة الجهاز القضائي المركزي لم يعد في الوقت الحاضر بذات الدقة في تدوير العاملين بالسلك القضائي. ومع كل ما سلف هناك قضاة على مستوى الأهلية والمهنية قد يكون غيري منهم المنصفين في الإشارة إليهم لمعرفتهم بعطاءاتهم على إحقاق الحق وتوطيد دعائم استقامة العدل وفرضه على الناس. عندما اتخذت عنوان موضوعي هذا “الحاكم العادل” أردت به حاجة مجتمعنا اليوم أكثر من أي وقت مضى للحاكم العادل وأرجو من إخوتي رجال القضاء منهم قصدي وحسن وظني كما حسن ظن كل مواطن بعدالة قراراتهم خلاصة ما يتوصلون إليه من أحكام.. فقصدي هنا أن آلاف القضايا المتراكمة جراء البطء في البت في جزء كبير منها صار يثقل كاهل الخصوم كما أن عدم تنفيذ بعض الأحكام الناجزة والمصادقة والتي منها ما مضى عليه من عشر إلى 20 عاماً من العيوب التي تؤخذ على الأجهزة المعنية بالتنفيذ وقصور بعض المعنيين بالأمر. إلى جانب ما تقدم فإن إطالة التقاضي تكون لها تداعياتها لاعلى المتخاصمين وإنما على السلم والاستقرار للجميع.. وياحبذا لو يكون هناك تفعيل حقيقي للأجهزة المعنية بتصميم أداء القضاء ومنها جهاز التفتيش القضائي على ذلك ينشط الأداء في بعض المحاكم ذات البت البطيء في القضايا المتطورة.. كما أننا أكثر ما نكون بحاجة إلى حصافة ومهنية القاضي أرى كأني إزاء الدعاوى والشكاوى الكيدية من قبل بعض المتخاصمين ورفض أي ايحاءات أو وساطات تتعلق بها كون ذلك من الأمور التي دائماً ما نحاول تضليل وتزييف الحقائق رغم قناعتنا بأن القاضي الذي أدى اليمين القانونية والدستورية سيكون مسئولاً أمام الله قبل غيره عما أقره وأصدره من أحكام فرأس الحكمة مخافة الله ولا أنسى هنا أن أشير إلى عدالة الفاروق عمر بن الخطاب الذي حكم فعدل فنام آمناً.. وما أحوجنا اليوم لعدل عمر بن الخطاب. والله من وراء القصد.