يحلُّ شهر رمضان المبارك هذا العام ضيفاً ثقيلاً على غير عادته بالنظر إلى الواقع الذي نحن فيه؛ يأتي بروحانيته المعتادة في ظل ظروف اقتصادية يمكننا القول إنها غير معتادة. فرمضان يُعرف بأنه شهر فضيل يذكي النفوس وينقيها بميزة الصيام وكثرة الصالحات من الأعمال لكنه هو ذات الشهر الذي يخلع الناس فيه عباءة التقشف محملين أنفسهم بتكلّف أعباء لا تُطاق فتزيد نفقاتهم بشكل جنوني مصحوبة ببذخ كبير. هكذا يبدو رمضان بالصورة المعهودة عند الكثيرين شهر تُترك في نهاره ملذات الحياة وشهواتها ويُقبل في ليله على ما لذّ وطاب من الأكل والشرب.. وبشكل يكون في الغالب مبالغاً فيه. لست ممن يقفون في وجه هذه الأمور لأنها أخيراً تعود إلى الناس أنفسهم من باب قدرتهم على الانفاق ومواكبة الآخرين ممن يمتلكون المال الكثير،ولكنني أتمنى أن تكون هذه الممارسات عامة تطال كل أشهر السنة حيث لا يتغير من الحال غير توقيت الأكل والشرب وبعض النُظم التي ترتب أوقات الإمساك والإفطار وممارسة الشعائر الدينية الرمضانية من قبيل التربية الاسلامية للروح والبدن على حد سواء.. ومن المزايا التي يفرضها رمضان ميزة التغيير حتى صارت عنواناً بارزاً من عناوينه المتعددة وهذه حقيقة وجودية مفروضة ولكن التغيير يطال الروح أكثر من البدن من تطهيرها وتهذيبها خلال شهر كامل بدلاً من الثلاثة الأيام من كل شهر إذا أضفنا إليه الست من شوال تحت مسمى (صيام الدهر). حتى البدن بما يتحمّله من عناء الصيام والجوع والعطش لا يُراد منه غير تهذيب الروح وتزكيتها والتي تعد كنه الإنسان وذاته المخفي وما الصيام لها إلا استشعار للآخرين وتعلّق بالمساكين وتعويدها على التحمل والصبر والنظام.. هذا هو التغيير بمفهومه الرمضاني الفريد. إن واقعاً تتقاسم تفاصيله الحياة الراهنة يبدو واقعاً أكثر تعقيداً، فبين الوقوف أمام تحقيق واستشعار الإرادة الاسلامية للصيام وعكس ذلك على الروح من خلال الجسد وعملية المقايضة التي تنطلي على الجسد إذا ما تهذّب الروح وتزكى وبين مواجهة الأزمات المعايشة التي تلقي بظلالها على حياة الناس من خلال الأزمة الاقتصادية المتمثلة في زيادة أسعار السلع وخاصة التي لا تُشترى إلا في رمضان وأزمة الانطفاءات المتكررة للكهرباء والأزمة المستمرة للمشتقات النفطية والتي كبّدت الناس خلال الفترة القصيرة الماضية خسائر كبيرة على مستوى المال والجهد وستزيدهم إلى أساهم أسى خلال شهر ينتظرونه بفارغ الصبر يعتبر شرخاً في معنوياتهم وماديتهم متسبباً في عزوفهم عن أشياء كثيرة كانوا يأتونها من قبل. إن تحدّي الواقع الراهن يبدأ من النفس التي تحب الخير وفعله أينما حلّت وارتحلت هذا بالنسبة للوجه التربوي المتمثّل بالروح أما الجسد فضيق الحال يدعو إلى الاقتصاد وعدم التكلّف، فهو شهر من اشهر الله لا ميزة له سوى بالاصطفاء من الله وجعله شهر خير وبركة لا زيادة أكل وشرب وإسراف وهو ما يلامس الهدف من الصيام. لا سامح الله من تسبّب ويتسبّب في خلق مثل هذه الأزمات التي تسلّب الناس فرحتهم بقدوم الشهر الذي ينتظرونه على مدار العام. شهركم مبارك وجعلنا الله جميعا من ذويه وأهله.