للسنة الثالثة يعود علينا رمضان المبارك ونحن نعيش أزمات لا تنتهي كلما خبت رحداها ظهرت أخرى ولكن رمضان هذا العام يختلف كثيراً عن سابقيه، لأنه جاء في اشتداد أزمة العيش في بلادنا الذي لا يكاد يعرف ليلاً من نهار حتى زادت الحياة فيه سوء ينذر بعاصفة لا ندري من أين ستاتي ومتى؟ نعيش بحذر وخوف مما سينجلي عليه يومنا في صباحه ,ومع ذلك مازلنا لم نتعلم دروس من الحاضر والماضي مازلنا نعيش بأساليبنا التي لم تكن يوماً من ضمن عادتنا في الحياة خاصة في شهر رمضان، الذي اختصه الله لنفسه دون عن أشهر السنة واعتبره فرصة للناس ليكون لهم الوسيلة الأسهل للتوبة. وطلب الغفران والتكفير عن أعمال سنة مضت فيها أحد عشر شهراً لا يدرى الواحد منا كيف مضت هل كلها خير أم فيها تجاوزات أضافت إلى ذنوبنا.. ومع ذلك قلة منا يدرك معنى الشهر وروحانيته التي تدخل على النفوس الطمأنينة رغم كل الظروف القاسية والغامضة التي نعيشها هذه الأيام مع تصاعد الصراعات الحزبية الخارجة عن الفطرة الداعية إلى المحبة والسلام وإشاعة الطمأنينة بين الناس بعد كل هذا العناء والمرارة التي عاشها الناس ولايزالون تحت وطأة ظروف معيشية اقتصادية متدهورة من سيئ إلى أسوأ لتنتهي بصراعات مذهبية وطائفية لن ترحم أحداً في كل البلاد وليس فقط في مكان الاقتتال. ومن أسوأ العادات التي نتبعها في رمضان والتي لم نحاول تغييرها بل مستمرون في اتباعها هي عادة اللهث وراء أصناف الطعام والجري لشرائها في الأسواق التي يستغل تجارها لهث الناس وطلبهم لها دون إدراك من الناس أن ما يفعلونه إنما هو إساءة لهم ولمقدراتهم المادية وإساءة لروحانية الشهر الذي اختصه الله لنفسه ليقرب عباده التوابين المستغفرين الراجين رحمته إليه فيرحمهم ويغفر لهم ويعتق رقابهم من النار عندما يقومون لعبادته وهم خفاف قادرون على الحركة دونما إحساس بالضخمة ولا بالنعاس. وهم أكثر قرباً من أولئك الناس الذين يعتصرهم الجوع ويحلمون بخبز وشاي ومياه نظيفة يسكتون بها بطون أسرهم الخاوية ولا يحلمون بصحون الرواني والسمبوسة والحلويات الأخرى. متى يدرك الناس أن الأزمات التي تمر عليهم كانت اقتصادية أو سياسية إنما هي دروس وعبر للتفكر بالحاضر والمستقبل وتغيير العادات والسلوكيات التي لا تساعد في حل هذه الأزمات، بل تزيدها كوارث وتعقيداً تهدد حياتهم وتصبح وسيلة للزيادة في الإذلال والخنوع والقبول بسياسة الواقع المفروض. رمضان شهر كريم فيه بركة ورزق للفقراء ورحمة للمستضعفين في الأرض, جعل الله فيه رزقاً للفقراء من أموال الأغنياء ليس للأكل والشرب في رمضان بل جعله وسيلة للفقراء للإنفاق خلال العام من خلال ما ينفقونه على القوت الضروري ويدخرون منه لوقت الحاجة. وجعله رحمة للمستضعفين من خلال تسخير الناس بعضهم لبعض لفعل الخيرات ومواساة المحتاجين والسؤال عنهم والمشاركة في رفع البلاء والهموم عنهم. ولكن الناس في هذا البلد الذي تعصف به ثلاثية الفقر والجهل والمرض إضافة إلى الصراعات الحزبية جعلوا من رمضان فرصة للتفاخر في الموائد ومحاباة المقتدرين بالتودد إليهم وفرصة للسهر والتسوق والنوم في النهار الذي طالبنا الله بالعمل والسعي لطلب الرزق والاصطبار على خواء المعدة ليعلم من الصائم حقاً والصابر على نزاعات الغضب خاصة وأن رمضان هذا العام جاء في فصل الصيف. من هنا هي دعوة إنسانية للجميع حتى يعودوا من جديد يتفكروا في شهر الصيام وماذا يريد الله من عباده في هذا الشهر الكريم ليتقبل منهم صيامهم ويجعلهم ممن رحمهم وتاب عليهم وأعتق رقابهم من النار فهل من مدرك متفكر؟ صدقوني من يتبع معاني الشهر الروحانية والمادية لن يفكر من شهر رجب باللهث في الأسواق لشراء الملابس وأنواع الطعام ليخزنها في بيته، ولن يخاف أن ترتفع الأسعار وتختفي كل هذه الأشياء من الأسواق لأن التجار لن يجدوا في هذا موسماً لهم ليصرفوا بضاعتهم المخزونة وبالأسعار الجديدة ولن يحتكرونها لأن المشتري سيذهب إليها في وقت فراغه في أي يوم من أيام السنة أو رمضان عندما لا يشغله ذلك عن تأذية فروضه التعبدية لله سبحانه وتعالى.