شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن شهر أقدس الأقداس عند كل المسلمين في العالم، فهو مناسبة للتطهر من الخطايا والذنوب وفرصة يستغلها العبد كي يتقرب فيها من رب العالمين ويؤدي فيها الركن الرابع من أركان الإسلام وفيه صفاء روحي ونقاء ومودة ورحمة وعافية وكل مفردات الورع والإيمان وشهر رمضان شهر الصوم أعز الضيوف على اليمنيين فهم الأكثر احتفاء به مقارنة بكثير من شعوب العالم الإسلامي.. ففيه تتغير الحياة اليمنية بشكل واضح وجلي ومع هذا التغيير المرتقب تنقلب حياة الناس رأساً على عقب كما تسود بين أبناء هذا الوطن قوة التآلف والمحبة.رمضان وبكل معانيه السامية أكرم وأطهر ضيف حل على أمة آمنت بمحمد ابن عبدالله رسولاً وخاتماً للأنبياء.استعداد مبكر اليمن وفي كل محافظاتها الممتدة من التراب إلى الماء مضيافة محبة لشهر رمضان تتشابه فيها استعدادات استقبال الشهر الكريم المختلف عن كل شهور السنة فما أن يبدأ هلال شعبان يأخذ شكل أفوله حتى يتزاحم البشر على الأسواق في استعداد لتأمين حاجيات هذا الشهر الفضيل لذلك نجد أن الأسواق المحلية تجد إقبالاً كبيراً من قبل المواطنين لتوفير احتياجات رمضان من المواد الغذائية التي يتفنن أصحاب المحلات التجارية في عرضها قبل وخلال الشهر الكريم.. وإذا ما دق رمضان باب انتظار وصوله حتى تأخذ مظاهر الحياة في اليمن شكلاً مختلفاً وتنتقل حركة الحياة من النهار إلى الليل بطريقة تلقائية ليظل تقريباً نهار اليمن رغم إشعاع قنديل شمس الحياة فارغة بانتظار موعد الإفطار لتبدأ الحياة وقبل ساعة من الفطور تزدحم بالبشر والباحثين عن طعام فطورهم المختلف والسير الجماعي باتجاه المساجد للإفطار فيها وكل يحمل ما تيسر من طعام. مدفع رمضان رمضان في صنعاء ارتبط دائماً بمدفع الإفطار والسحور وما زال مدفع صنعاء يعلن يومياً للصائمين أنه قد حان وقت دعائكم اللهم إني صمت وعلى طاعتك فطرت ليكون مدفع الإفطار قبل ارتفاع صوت الأذان من على مآذن المساجد في صنعاء موعداً لوضع أول تمرة في فم صائم كانت رائحة فمه عند الله أطيب من المسك بعد يوم صيام استجابة لفريضة الله. إلا أن تعز كمدينة أخرى اشتهرت ومنذ زمن ليس بالقصير بمدفع رمضانها المعتاد إلا أنها لم تعد كمدينة تسمعه منذ أكثر من 15 عاماً تقريباً ويقول الناس هنا أن “ علي حمود” مات ومعه مدفعه الذي كان الأطفال الصائمون حتى الظهر فقط يتجمعون في حلقات راقصة قبل موعد الإفطار بدقائق يغنون ويرقصون بطريقة يفهم منها أنها تنبيه ل “ علي حمود” أن موعد الإفطار قد حان فلربما أنه قد نسى ويصرخون بصوت واحد “ دفع دفع يا علي حمود زوجتك جاوع قاهي شتموت” بين القهوة وبين الشفوت ويقرح مدفعه فيهرعون إلى وجبة إفطار طال انتظارها منذ الصباح. الفطور الرمضاني تزدحم المساجد بالمصلين أثناء صلاة المغرب في رمضان واليمنيون يحرصون دائماً على تناول وجبة إفطارهم فيها الأمر الذي تشهد معه المساجد حضوراً ملحوظاً يمتد إلى أرصفة الشوارع.. الصائمون يتقاسمون الصرح الخارجي للمسجد في دوائر صغيرة متجمعة حول موائد الفطور الرمضاني والتي تتكون عادة من التمور والسنبوسة والباجية والشفوت أشهر الوجبات الرمضانية اليمنية. رمضان في عيونهم رمضان شهر التوبة والغفران كريم لا أكرم منه إلا الله هكذا يعرف المواطن .. أحمد محمد عبده قاسم بائع خضروات في السوق المركزي بتعز .. قال عن رمضان أنه راحة للقلب ومسح للذنوب وشهر رب العالمين فيه يعرف الناس الرحمة والإخاء. ويقول أحمد محمد أن فرص الرزق : في بداية شهر رمضان كبيرة إلا أن مصاريف هذا الشهر الكريم أيضاً كبيرة.. فالأسرة تحتاج إلى لوازم هذا الشهر المختلفة عن كل الشهور، كما أن الناس في رمضان سواء أكانوا أغنياء أو متوسطي الحال تظل أبوابهم مفتوحة لكل الناس الذين يحتاجون منك إفطارهم، إلا أنه يغلق الحديث بالقول إن الأجر لا يحتاج للصحافة كي تنشره.. ويقول: إن نهاية رمضان تتطلب بالتأكيد مصاريف مضاعفة عن أوله في الوقت الذي يقل فيه دخل الناس العاملين في بيع الخضار, فالعيد والأطفال الذين ينتظرونه بفارغ الصبر في انتظار ما يحتاجه العيد وهذا يجعلنا نقول حسبنا الله ونعم الوكيل. عبدالجبار الشميري يعول أسرة يسكن أفرادها في تعز وهو يعمل في صنعاء قال.. إن رمضان شهر المسلمين وفاتحة خيرهم ورحمة من الله وغفران، إنه شهر الصوم والصلاة والبر والتقوى، أوله رحمة ووسطه مغفرة، وآخره عتق من النار أو هكذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام.. مشيراً إلى أنه قد جمع من المال ما كتبه الله له وأرسله إلى القرية بزيادة عما يرسله عادة في كل شهر إكراماً لرمضان واحتفاء به لكن شهر رمضان فيه الكثير من البركة والرزق للمؤمنين الطيبين، كما أن فيه خذلاناً للمعاندين. وبهذه الروح يدخلنا عبدالجبار الشميري التربوي في روحانية شهر رمضان بروح تتوق إلى التطهر من ذنوب ربما نكون ندركها أو قد تكون خارج إطار علمنا وهو يدعو الناس إلى الرحمة حتى تتحقق لهم بركة رب العالمين ورضاه لا في رمضان وحده، ولكن فقط ليكون رمضان فاتحة لحياة أكثر إشراقاً. هاني عبدالغني يقول: إن رمضان مختلف عند كل الأمم التي تؤمن بمحمد ابن عبدالله رسولاً فهو وإن قست قلوب البشر قبله يكون عنوانه الحب والتقوى وفيه تبرز في مجتمعنا اليمني سمات التكافل الإنساني الذي دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى أن رمضان مع الفقير المعدم إذا أطل علينا بوجهة الكريم، والكل فرحون “مرحب مرحب يا رمضان.. يا مرحبا بك يا رمضان” يخرج الأغنياء إلى الأرصفة يتسابقون على كل جائع ليطعموه عله يجد عند الله قبولاً وبشق تمره يتسابق البشر ليكون لهم وعد رب كان قد قطعه لمن أفطر صائماً بأن يغفر له. وهاني يرى أن رمضان بطبيعة الحال يحتاج إلى مال أكثر إلا أن أبواب رزقه مفتوحة وما ينفق في هذا الشهر وإن زاد على كل الشهور إلا أن عائده مغفرة من الله إذا ما تم إطعام صائم فقير وإسقائه فيه يسود الحب وتترسخ معاني العقيدة الحقة وتعمر المساجد بذكره الكريم. موائد الرحمن في رمضان يفتح الأغنياء أبوابهم المغلقة في وجوه فقراء الوطن ويغدقون بكرم الضيافة على الفقراء والمحتاجين ويتحول الشهر الكريم في كثير من الأوقات إلى مناسبة لإظهار قدرات البعض على الإنفاق غير المحدود والإسرف والتفاخر والمنافسة الأمر الذي يجرح مشاعر الناس أولئك الذين لا يملكون من المال ما يسدون به رمق جوعهم، وفي رمضان نجد الميسورين قد فرشوا الأرصفة للناس الذين يبحثون عن وجبة العشاء الرمضاني. ويقومون أيضاً بتوزيع الإفطار على المستشفيات والسجون والمنازل ودور الرعاية الاجتماعية والمساجد في محاولات تحسب أحياناً بأنها عمل للخير وأحياناً.. لإظهار “س” من الناس بأنه رجل مؤمن فاعل للخير وأكثر كرماً من “ص” من الناس الذي كان في سنوات مضت هو صاحب المبادرة في فتح بيته لموائد الرحمن والفقراء الذين يتزاحمون على أبواب الأغنياء أصحاب القلوب الرحيمة في رمضان يفطرون ويتعشون معاً في وجبة واحدة ويأكلون ما وجد من طعام مهما كان نوعه بعيداً عن الحذر من أن نوعاً ما من الطعام قد يعرضهم لمرض معين.. المهم هو إشباع لبطون جائعة إذا راعت الجوانب الصحية في تناول الطعام ستموت جوعاً.. أما الذين يتناولون وجبات إفطارهم في منازلهم فهم في العادة يميلون إلى الوجبات الخفيفة مثل التمر والسنبوسة والباجية والشفوت التي تعد أهم وجبة رمضانية عند كل اليمنيين ثم تليها بعد صلاة العشاء وجبة عشاء دسمة لا تخلو من الشفوت والسلتة سيدة الوجبات في تعزوصنعاء والعصيد وغيرها.. كما أن لرمضان حلويات مختلفة قليلاً عن تلك الموجودة في السوق اليمنية طوال العام وتفتح في هذا الشهر محلات متخصصة في بيع هذه الحلوى لذا تجدها تزدحم قبل الإفطار بشكل ملفت.. والحلويات الرمضانية في اليمن تعرف بأنها مزيج من اليمنية والشامية والتركية والهندية مثل الرواني وبنت الصحن والكنافة والبقلاوة والعوامة والتي انتقل الكثير منها إبان الاحتلال التركي لليمن أو عبر حركة التنقل والهجرات من وإلى الهند في فترة ازدهار التجارة في عدن منتصف القرن الماضي. أنشطة الجمعيات الخيرية بحسب آخر إحصائية لوزارة الشئون الاجتماعية لعام 2012م إلى 2991جمعية ومنظمة خيرية ورغم العدد الكبير للجمعيات والمنظمات الخيرية النشطة في رمضان إلا أن عملها لا يعم مناطق اليمن كاملة إلا عدد منها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ومعظم هذه الجمعيات والمنظمات يكون محور نشاطها تابعاً إما لمسجد كبير أو لأحد أحياء المدينة أو المديرية. أخيراً ليس عندي الكثير لأقوله في هذا الشهر الكريم إلا شهر مبارك لكل اليمنيين وجزى الله المثقفين من أجل الخير خيراً لكن على رجال المال والأعمال معرفة أن جياع رمضان هم الأكثر جوعاً في معظم أيام السنة فعلى الجميع التكاتف والعمل من أجل حل مشاكل الجوع عند الناس ومحاسبة من يسعى إلى العبث بأموال الناس ونهبها من أجل أن يجدهم في رمضان فيطعمهم ويكسب بهم أجراً ويدخل بما يظنه فعل خير جنة الله المعدة للمتقين واللهم إني صائم.