لقد هزمنا في هذه الحرب، وعلى نتنياهو الاستقالة، هكذا تحدث نائب وزير الحرب الإسرائيلي، بعدها بساعات تم الإطاحة به من منصبه بقرار من رئيس الحكومة الذي طالبه الضابط الجريء بالاستقالة: اعني بنيامين نتنياهو.. ليست هذه حادثة غريبة، غير أن المفاجأة فيها تتمثل في إقالة هذا الضابط، عبر تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وجولاته التي لا تحصى, تكرر هذا الموقف بشكل متواصل، أصبح نقد الحكومة من قبل نائب وزير الحرب أو حتى الوزير نفسه أمراً اعتيادياً في العرف الحربي الإسرائيلي، هنا في البلدان العربية لا يمكن حدوث الأمر مطلقاً.. تدار الحروب والعمليات العسكرية وسط تعتيم شديد وإن حدث انحراف في مسار الحرب من وجهة نظر قائد عسكري ثم أبدى هذا القائد استياءه فإنه يوبخ ويعاقب، وفي أسوأ الأحوال يغتال، ولا يكون الوضع متاحاً لتوجيه أصابع الاتهام ناحية السلطات بالوقوف خلف عملية اغتياله؛ فهو قائد عسكري يشرف بشكل مباشر على العمليات الحربية ضد خصوم واضحين ومن الطبيعي والبديهي أن يُغتال، ويُعثر على جثته منخولة بالرصاص. في غزة لا تسير وقائع العمليات العسكرية الإسرائيلية وفقاً لما تشتهي نفوس قادة الموت في حكومة نتنياهو، حدث هذا كثيراً في العقد الأخير، ذلك أن المعادلة على الأرض تغيرت كثيراً وأصبحت فصائل المقاومة الفلسطينية تمتلك عتاداً حربياً يمكّنها عمليا من المواجهة والصمود، بل وإلحاق خسائر مادية ومعنوية كبيرة في صفوف الصهاينة عسكريين ومدنيين. ثمة من يشمت بالمقاومة الآن ويتحدث باستخفاف شديد: ما الذي تفعله صواريخ حماس والجهاد الإسلامي بإسرائيل غير أنها تمنحها - أي إسرائيل - الذريعة لشن عمليات عسكرية قاسية ضد القطاع وسكانه. هناك من يقول أيضاً: حماس على الدوام تورط غزة في الحروب ثم يدفع الأطفال والنساء فاتورة هذه الحروب، لدينا عرب أجلاف اعتادوا الا يتحدثوا عن إسرائيل كحالة فريدة في الجنون والوحشية، أنهم في مهمة دائمة لجلد المقاومة، لا يمثل هذا مشكلة للمقاومة لكنهم في صورة أخرى يمثلون لنا أم المشكلات؛ ذلك أنهم في أجلى ردة فعل لسؤالنا عن حيثيات تصريح نائب وزير الحرب الإسرائيلي سيتهربون ..نعم سيتهربون، ربما للغناء أو للنوم أو لأشياء أخرى! نحن نتحدث بواقعية تامة، المقاومة انتصرت وتنتصر ليس لأنها قوية وتمتلك أسلحة متطورة؛ بل لأنها استفادت بدرجة رئيسية من المعايير الإسرائيلية في الانتصار والهزيمة، لدى الإسرائيلي معاييره التي لا يفهمها العرب الأجلاف هؤلاء، فهو - مثلاً - لا يخشى صواريخ المقاومة لقدرتها التدميرية العالية؛ بل لتداعيات سقوطها على البلدات والمدن الإسرائيلية المكتظة بمستوطنين هلعين ينظرون إلى الصاروخ القادم من أرض القطاع باعتباره الروح المادية لعزرائيل. أن يحشر الإسرائيلي قسراً إلى الملاجئ لتفادي صواريخ المقاومة هذا يعني له هزيمة، أن تفرض المقاومة ظروفاً جديدة في واقع حياة ومعيشة الإسرائيلي هذا يعني له هزيمة أيضاً.. لهذه الحيثيات وحيثيات أخرى انتصرت فصائل المقاومة الفلسطينية وسوف تنتصر، غير أن العرب الأجلاف لن يفهموا.. مؤكداً أنهم لن يفهموا.