ليس جديداً أن يسقط عدد كبير من الفلسطينيين بين شهيد وجريح، فالمذابح والمجازر التي لم تتوقف على امتداد عشرات السنين عودتنا على سقوط مثل كل هذا العدد الذي يذهب ضحية لهمجية الاحتلال الإسرائيلي المغتصب، وليس جديداً أن تستخدم إسرائيل قوتها المفرطة تجاه المدنيين في غزة موقعة كل هذه الضحايا فإسرائيل المدللة أمريكياً وأممياً هي الوحيدة من تخترق القوانين الدولية وتقفز عليها غير عابئة بما سيكون ولا آخذة في الحسبان لأي اعتبار، لأنها تركن أن أمريكا قادرة على عرقلة أي قرار سيصدر ضدها باستخدام حق الفيتو المسلط على الدول الصغيرة والضعيفة من الدول الكبرى. يمكن لإسرائيل وسط هذه المعمعة الدولية أن تواصل وحشيتها على مدينة سكانها مغلوبون على أمرهم لا حول لهم ولا قوة محاصرون منذ أكثر من3سنوات حصاراً خانقاً مرفوداً بهجمات متوالية وعمليات متفرقة من مدة لأخرى وهو ما تسبب في إيقاف المصانع وتدمير المنازل حتى بدت الحياة هناك وكأنها قد شُلّت إن لم تكن شُلّت حقاً. هكذا تبدو غزةالمدينةالفلسطينية المحررة التي ذادت عن حمى الأرض ولقنت المحتلين دروساً قتالية صادمة فانسحبوا منها مرغمين غير أنهم ظلوا يمارسون القتل والدمار بوسائلهم الجبانة المؤصلة لطبيعة يهودية فطرية أوردها القرآن الكريم في قول الله تعالى: “لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى...”. فمنذ أن فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وإسرائيل لا تألو جهداً في إنهاك مدينة غزة التي خرجت الحركة منها بفوز كاسح تحت حجج واهية تتخذها ذريعة للقتل والدمار في مدينة أبت الخضوع والانكسار للصهاينة.. ما هو أشد من كل هذا هو أن تقابل كل هذه العنترية والوحشية بصمت دولي وبمواقف دولية مخزية تصدر ممن يدعون تبني ورعاية حقوق الإنسان، والأنكى من ذلك ما تعيشه الرسميات العربية من صمت مريع الذي يكتفي بفزاعة التهدئة التي تخدم الصهاينة أكثر من الفلسطينيين. يتجلى الخذلان العربي والإسلامي لفلسطين منذ إعلان اليهود دولتهم الباطلة على الأراضي الطاهرة، حيث أبدى بعض الحكام من يومها مواقف صادمة لشعوبهم في تخل واضح عن أرض المسرى يوضح مدى الخور والخرع العربي المتوالي منذ عشرات السنيين وهو ما يحول دون تحقيق شيء يذكر للقضية الفلسطينية، وهذا ما تقابله إسرائيل باستفراد عضلاتها موغلة في التضييق والتنكيل ومحاولة طمس فلسطين من الوجود. إن غزة برجالها ومقاومتها أبدت صموداً منقطع النظير، حيث وصلت صواريخ المقاومة إلى أغلب المدن المحتلة ك حيفا وتل أبيب وعسقلان ونفذت الفصائل عمليات نوعية أربكت الصهاينة، وما عملية الاستطلاع لطائرات بدون طيار محلية الصنع إلا خير دليل على الصمود والإرادة رغم الإمكانيات المحدودة، وهو ما مثل تحدياً صارخاً للقوة الإسرائيلية، حيث لم يسبق أن قامت دولة عربية أو فكرت به منذ عام 48 م والذي مثل عام النكبة وإعلان سقوط فلسطين في قبضة اليهود. لا تبدو غزة واهنة كل ذلك الوهن المغري فرجالها الأشاوس يلقنون الصهاينة دروساً حقيقية رغم الحصار والمعاناة المفروضة قسراً من إسرائيل والدول العربية المجاورة والمسماة بدول الطوق الحامية لليهود المحاصرة للفلسطينيين بطبيعتهم الجغرافية. غزة الصامدة العظيمة لم يضرها غير الخذلان العربي الذي أعطى الضوء الأخضر للإسرائيليين وشجعهم على فعل ما يحلو لهم من قتل وتشريد وتدمير وتنكيل بحق إخواننا الفلسطينيين. لا يمكننا أن نأمل في أن يفعل العرب شيئاً ما للحيلولة دون وقوع المزيد من الخسائر والضحايا، لأنهم عودونا على فعل اللا شيء وما يظل يحمل بصيصاً من الأمل إلا الوقوف الشعبي بالدعم والدعاء كأقصى شيء يمكن أن تقدمه الشعوب العربية في وضع معقد كهذا الوضع. فيا غزة ما هنتِ أبداً وما انكسرتِ مهما كان القصف الصهيوني عنيفاً ومهما كان الموقف العربي خاذلاً ومخيباً كعادته، فستظلين منارة للأحرار والأبطال ومدينة تأبى الخضوع والانكسار تنطلق منها بشائر الانتصار لوطن يراد له أن يمحى من خارطة الأرض.