أمس سكبت تعز ذاتها الجمعية معبّرة عن تضامنها مع فلسطين وغزّة والمقاومة، واكتظت شوارعها بمظاهرات تنادت من كل جهة لتلتقي في شارع جمال وتشكّل لوحة جماهيرية هادرة طويلة عريضة وعميقة تعبّر عن تعز وروحها الثورية التي لا تُقهر. كان البعض يعتقد أن تعز قد أصابها الإحباط ولم تعد قادرة على الخروج المتوهّج بفعل الإحباطات التي تتوالد ومحاولة كسر إرادتها والقرع على رأسها ورأس الوطن سياسياً واقتصادياً وأمنياً ومعيشياً، وهي الخطة التي تستهدف الروح المعنوية وقوة الشعب التي أفرزتها ثورة فبراير. وبالنظر إلى الحضور المكثف وغير المتوقع فإن الكثير بدأ ينفض غبار اليأس والإحباط الذي ربما تسلّل إليه، معتقداً أن الناس ذبلوا وانكسروا ولم يعودوا يتفاعلون مع قضاياهم القومية والمحلية المتصلة مع بعضها. كانت المسيرة تضامناً مع غزّة وفلسطين، ووصلت الرسالة مباشرة إلى أبناء غزّة عبر القنوات الفضائية و تحديداً قناة «الأقصى» قناة المقاومة التي بثّت التضامن الحي مباشرة ليشاهده الغزّاويون وذوو الشهداء ويزيد صمودهم لإحساسهم أنهم يمثلون أمّة تقف من ورائهم بينما هم يدافعون عن الحرية والأحرار في كل العالم. غزّة المقاومة التي حوّلت الهجمة الحربية والإعلامية المنسّقة مع بعض الأيادي العربية للأسف إلى عصف مأكول، ومع صمودها الأسطوري استرددنا بها ومعها كرامتنا العربية التي تطايرت وتلاشت بفعل الوهن العربي، وأعادت الاعتبار إلى العزّة العربية التي دفنت تحت مؤخرات كراسي الحكم العربي المترهّل إلى حد التفسخ، كما جاء في رسالة تعز إلى أبطال غزّة، رسالة شعبية إلى الخارج والداخل؛ خاصة الجهات التي مازالت تعمل على عرقلة مسيرة التحوّل اليمني نحو الدولة وأهداف الثورة عن طريق التخريب والحروب والإرهاب وشتّى أصناف المنغّصات التي تستهدف قوة المجتمع وروح الثورة. هناك مسألة مهمّة تعلّمها الناس من ثورة الربيع العربي التي ولدت لتحيا وتستمر وتثمر وتنتصر؛ ومفادها أن الشعوب لا تُقهر، وما يقهر الشعوب فقط هو اليأس والإحباط إذا تسللا إلى النفوس. تعز أثبتت أمس واليوم وغداً بأنها كما هي متجدّدة تتنفس ثورة وتستنشق حرية، وهي عصيّة عن الخمول والإحباط والمؤامرات، في مناصرة غزّة؛ خرجت تعز وهي تعلم أن قضية فلسطين ليست قضية منفصلة عن قضايا الشعوب العربية بل هي قلب معركة التحرُّر العربي، والمعركة اتضحت بجلاء أنها متصلة بثورات العالم العربي وحلمها الواحد في التحرُّر من الاستبداد الذي يتنفّس منه الاحتلال ويستمد بقاءه، والعكس صحيح. لقد أصبحت ساحة المعركة واحدة وأطرافها واحدة، وقضية فلسطين لن تموت في ضمير الشعوب؛ بل ستبقى محفّزة لصعودها الأكيد نحو نور الحرية وكرامة المجتمع مهما طبّع المطبّعون سياسياً وإعلامياً وفكرياً؛ فإنهم سيرون النتيجة على غير ما زرعوا؛ شعوباً لا تلين ولا تهادن ولا تساوم، بل تنطلق متأبطة تضحياتها نحو حرية تنشدها جيلاً بعد جيل وهي حرية وكرامة على بساط واحد مرتبطة بخيط نور واحد «من غزّة إلى تعز ومن يافا إلى أقصى قرية ومنطقة عربية وإسلامية». [email protected]