«القوي إذا لم ينتصر فقد هُزم، والضعيف إذا لم ينهزم فقد انتصر» مقولة شهيرة ل«هنري كسنجر» وزير الخارجية الأمريكية الأسبق وأحد أبرز منظّري اللوبي الصهيوني. غزّة الضعيفة والمحاصرة لم تنكسر ولم تنهزم؛ بل انتصرت حتى الناحية التي يتغطّى بها الصهاينة باعتبارها نصراً؛ هي أكبر هزيمة، وهي هزيمة أخلاقية مدوّية، أعني الإبادة التي ارتكبها ضد المدنيين. أبرز نتائج هذا الصمود هو قتل الإحباط والذل والاستسلام الفلسطيني والعربي عموماً, العرب ليسوا عملاء، ولكنهم ضحية الإحباط والذل الذي يعطي نفس نتائج العمالة والخيانة ويدفعهم إلى ما هو أردى من العمالة والخيانة. لقد ترسّخ لدى الكثيرين أن إسرائيل دولة إذا قالت فعلت كأمر واقع؛ حتى بدأ البعض يخطب ودّها بالعمل كدليل ووسيط لقتل القضية الفلسطينية تحت ذرائع واهية منها محاربة المقاومة تحت لافتة محاربة الإرهاب واعتبار المقاومة عدوّاً مشتركاً، ومن لا يؤمن بهذه النظرية؛ يدفعه الإحباط ذاته والخوف للتقرُّب إلى الصهاينة. فلسطينياً رأينا كيف سارعت أطراف فلسطينية وقادة لإدانة المقاومة واعتبار الصواريخ الساقطة على تل أبيب إرهاباً، كان هذا استباقاً لاجتياح غزّة واتخاذ يد وجمالة للمنتصر الجبار، وبعد أسبوع من المعركة ظهر الرئيس «أبومازن» لأول مرّة منذ اتفاقية السلام يفتتح خطابه ب «أذن للذين يُقاتلون بأنهم ظُلموا وأن الله على نصرهم لقدير» في موقف مختلف 180 درجة، لم يستجد شيء سوى أن الإحباط في النفوس تلقّى ضربة قوية. لهذا السبب نرى كيف توحّد الصف الفلسطيني الممزّق لأول مرة، وذهب الوفد المشكّل من كل الفصائل المتناحرة أصلاً والمتنازعة وهو يرفع مطالب واحدة هي مطالب المقاومة. انتصار الميدان يدفع إلى انتصارات في السياسة وفي النفوس والعقول؛ حتى المواقف العربية تحوّلت بعد انجلاء المعركة إلى صمود باهر حتى ولو كان تحوّلاً على استحياء لنرى بعض النُخبة التي سقطت في بداية الاجتياح حتى لكنها ناطقة باسم «تل أبيب» تعدل موقفها مع الصمود، ثم رأينا الأنظمة الساكتة تنطق بالإدانة أو ما يشبه الإدانة وكأنها كانت غائبة ومغتربة؛ لكنه تحوّل بفعل الانتصار واهتزاز الإحباط الراسخ والمزمن ومازال يفعل الانتصار والصمود فعله في نفوس الشعوب العربية والأنظمة نحو تمزيق رداء الإحباط والتفريط بالهوية. فقضية فلسطين هي قضية حياة العرب أو موتهم، ومع الوقت سنرى أثر الانتصار والصمود في مواقف وتحرُّك القوى الدولية المساندة لإسرائيل التي بدأ بعضها بمواقف وتصريحات صادمة لإسرائيل، فالقوة عز، وقوة «غزّة» كان أساساً في صمود وتضحيات النساء والأطفال والشعب الحاضن لمقاومة أسطورية؛ حيث تلقّى الناس الصواريخ وفقدوا أسرهم، وسقطت بيوتهم على رؤوسهم دون أن ينطق أحدهم بكلمة انكسار أو تخلٍ عن المقاومة، إنه الذل الذي يقتله الصمود والإحباط الذي تضربه قوة الحق وروح أصحاب الحق. [email protected]