يكاد العام الدراسي أن يبدأ، وفي كثير من بلدان العالم بما في ذلك غزة المحاصرة قد بدأ الإعداد لها، واتخاذ الخطوات اللازمة حتى تكون بداية العام الدراسي مرنة، وسهلة للجميع. نعود إلى اليمن، حيث نفكّر دائماً بدافع المنح، وبعقول المانحين، ولأن المانحين لم يقدموا لنا شيئاً ليعلمونا كيف نبدأ العام الدراسي يبدو أننا لازلنا نبدأ العام الدراسي باستراتيجية “ما بدا بدينا عليه”. حكاية مدرسة مدير مدرسة أساسية في إحدى المدن الرئيسية يتجوّل بين غرف الفصول الدراسية الفارغة التي تملأها القذارات وقصاصات الأوراق. طلاء الفصول اللبني تغطيه بقع تشهد أن الجدار لم يُمسح ولم يُغسل من سنين، وكذلك أرضية البلاط التي ما إن تنظر إليها حتى تلاحظ طبقات التراب السوداء التي كونت طبقة علوية جديدة على البلاط. الأوراق المختلفة الألوان والأحجام وقصاصات الغش من أيام الاختبارات تملأ الفصول. الكراسي، أي كراسٍ معدودة في هذه الغرف، بعضها مهدد بالتفكك، وبعضها الآخر قد حفر عليه الطلاب ذكرياتهم حتى أصبحت سجلاً لما اقترفته المدرسة في حقهم. مكتبة المدرسة لا تكاد تُعرف على أنها مكتبة. أسطح الطاولات مكسّرة، ومتسخة، وألوان اللوحات المعلقة الباهتة تحكي قصة أيام نشاط مدرسي مضى من زمن بعيد، والكتب من وزن “رياض الصالحين” كثير منها لا يناسب أعمار الطلاب في التعليم الأساسي، تبدو منتظمة في بعض الرفوف وعشوائية في بعضها الآخر، يصعب الوصول إليها على الطالب والأستاذ بسبب الطاولات والمعدات غير الصالحة الموضوعة في الغرفة. ملعب المدرسة أرضية مفتوحة لا يوجد فيها خط أبيض أو أسود يحدّد أي مربّع لأية لعبة كانت، السلة المخصصة لكرة السلة مكسورة، وساريات كرة الطائرة لم تلتف حولها شبكة من سنين. جرس المدرسة لا يعمل هنا وهناك، وسور المدرسة يغري الطلاب بالقفر من فوقه واكتشاف العالم الآخر في أيام الدراسة. أما حمامات المدرسة فبدون حنفيات صالحة، وبأبواب حديد يغطيها الصدأ، وتنتشر فيها الثقوب. خزان المياه مثقوب أيضاً ويعكس وضعاً كله ثغرات وثقوب. تخيّلوا معي أن تكونوا أنتم من تديرون المدرسة، تخيّلوا الوقوف في وسط الساحة الصغيرة التي من المفروض أن تتسع لثمانمائة طالب، في حين إنها لا تصلح لأكثر من مائتين. تخيّلوا أن يأتي موعد بداية العام الدراسي بدون أن يكون في ميزانية المدرسة أو صندوقها ريال واحد! تخيّلوا أن يكون الإنسان منا وسط هذا الكم من الخراب، ومن القذارة وألا يملك في المدرسة حتى عامل نظافة واحداً لأمور تتعلق بالخدمة المدنية والتوظيف إلخ! تخيّلوا أن يقول لك المسؤول إنه لا توجد ميزانية لإصلاح مدرستك، وأن عليك أن تبدأ العام الدراسي كما أنت! تخيّلوا أن تبدأوا العام الدراسي بدون الإصلاحات والترميمات، وبدون التأهيل وإعادة التأهيل الذي يحتاجه المدرسون. أين خطة وزارة التعليم لبداية العام الدراسي، وإعادة تأهيل المدارس، وإعطاء المدارس ميزانيات عمل وتشغيل؟، كيف يكون المدير مسؤولاً عن تعليم 1500 طالب وليس في ميزانيته ريال واحد لتغطية احتياجات العملية التعليمية؟. هل تحتاج وزارة التربية والتعليم إلى منحة أجنبية، وبرنامج أمريكي حتى ينفذوا ما يفعله الناس في العالم كله بما في ذلك غزة المحاصرة؟. هل نحتاج إلى منحة من البنك الدولي لتعلمنا أن العملية التعليمية ليست مقتصرة على طباعة الكتب والاختبارات؟ هل نحتاج إلى منحة ألمانية لتعلمنا أن المدارس بحاجة إلى إعادة تأهيل قبل بداية العام الدراسي؟ هل نحتاج إلى منحة يابانية لتعلمنا أن المدرسين قبل بداية كل عام بحاجة إلى إعادة تأهيل؟ هل نحتاج إلى منحة من مكتب الصحة العالمي لتعلمنا أن الفصول والحمامات بحاجة إلى نظافة؟ وزارة التربية والتعليم ليست عاجزة عن أن تكون منهجية عندما تكون هناك منح ولجان كما يحدث الآن مع منهج القراءة المبكرة فهو يمضي على ما يبدو بأحسن حال، خطة تطبيق المنهج، خطة إشراك المجتمع، خطة توزيع الكتب، كل الخطط وضعت، وقيد التنفيذ لأن هنالك منحة مالية، ولأن البرنامج أجنبي، ولأن خطة التنفيذ أمريكية. لكن ماذا عن الأمور الأخرى التي تفتقد المنح؟ طلاب هذه المدرسة التي تحدثنا عنها سيمشون على بلاطها القذر، وسيجلسون على كراسيها المهترئة، وبلاطها البارد الأسود، وسيزاحمون قصاصات الورق المرمية على الأرض، وسيضطرون إلى الدخول إلى الحمامات بدون ماء، وبدون أبواب. سيحاولون الركض في ساحة ليصطدم كل منهم بالآخر من شدة الزحام، وسيقول مدراء التربية إن هذا الوضع خارج عن إرادتهم ومسؤوليتهم بينما أولادهم وبناتهم في مدارس تختلف تماماً عما وصفنا أعلاه. ربما أني أبالغ بالحديث هنا عن أهمية الإعداد لبداية العام الدراسي في وطن استراتيجية التعامل فيه تتم بفلسفة “ما بدا بدينا عليه” فهي الطاغية في العمل والتخطيط.