في مواجهة الإرهاب لا شيء يرتقي إلى أهمية الرد العسكري الحاسم وفي ضوء البشاعة والسادية التي ابتكرتها القاعدة وأنصار الشريعة ومع انتشار التطرّف الديني بأشكاله المختلفة قد تتحوّل الحرب ضد الإرهاب إلى حرب استنزاف لأن مواجهة الإرهاب فقط دون مواجهة التطرّف تعني أن نظل نطارد أبخرة الدخان المتصاعدة ونترك النار مستعرة في الأسفل. لا دخان بلا نار ولا إرهاب بدون تطرّف ولا تطرّف بدون تعليم ديني متطرّف ينشر ويروج ويؤصّل فهماً خاطئاً للإسلام يتناقض مع تعاليم الإسلام السمحة ولا تعليم متطرّف يروّج للموت والإرهاب بدون جامعات ومراكز تعليم دينية يديرها ويشرف عليها جهلة ومتعصبون خارج القانون وبعيداً عن سيطرة الدولة وإشرافها المباشر. كما إنه لا إرهاب وتطرّف بدون خطاب تكفيري ممتلئ بالحقد والكراهية والانتقاص من الآخر وإلغائه، ولا موت أبشع من الموت الذي أصاب جنودنا وشهداءنا الأبرار في حضرموت وقبلها في أبين وساحة السبعين. دعاة التكفير والتطرّف يحاولون دوماً عن قصد وسوء نية الخلط بين ما يجب أن يكون بالإحياء للشخصية العربية والإسلامية لتستعيد دورها ومكانتها وذلك بالبحث العلمي في الماضي والتاريخ وبين ما يقومون به من محاولة بعث الماضي بأكفانه ليعيش بيننا كشبح ويتحكّم في مصائرنا.. وما نحتاجه فعلاً هو قراءة متأنية وعقلانية للتاريخ الإسلامي من أمهات الكتاب وليس من المسلسلات التلفزيونية والمناهج التعليمية السطحية، ما نحتاجه هو خطاب معتدل في الدين والسياسة والثقافة يدعو شبابنا إلى الحياة وليس خطاباً متطرّفاً يأخذهم إلى الإرهاب والموت. نحتاج إلى الأمن والذي لا يأتي من الغيب ونحتاج إلى الاستقرار الذي لا يأتي من التسطيح والتقديس لكل من تحدّث باسم الدين أو برع في السياسة أو جمع المال والناس، نحتاج أن نستخدم العقل والبحث لنصل إلى المعرفة ونضع حلول حقيقية للقضاء على الإرهاب والتطرّف والشطط. أتحدث عن حاجتنا لقراءة السير الذاتية لمن قاموا بالعمليات الإرهابية ابتداءً بزعيم جيش عدنأبين وقاتل جار الله عمر وقاتل الأطباء في مستشفى جبلة والعديد ممن قاموا بعمليات إرهابية حتى وصلنا إلى مجزرة الجنود في حوطة حضرموت، إن معظم هؤلاء تلقوا تعليماً دينياً متطرفاً تقريباً من جامعة واحدة وخرجوا من عباءة شيخ واحد من الضروري التركيز على نوع ومصدر التعليم والأفكار التي تلقاها هؤلاء وما أحدثته هذه الأفكار الخاطئة عن الدين من تغيير في سلوكياتهم. لا يمكن القبول ببقاء هذه الجامعات والمراكز المتطرفة تعمل بحرية وتبث سمومها في عقول شباب يأس استبد به الجهل والفقر ومن تعلم منهم سطّحته مناهج التعليم وتلاعبت به مسلسلات التاريخ التلفزيونية وكبلت المجتمع بقائمة من المقدسات والعادات والتقاليد، لا يمكن أن نترك هؤلاء الشباب الذين سقطوا من حسابات النخب وهم يخوضون صراعات سياسية وثقافية مبتعدين عن حاجة هؤلاء الشباب في الحصول على عمل وأمل لا يمكن أن نترك شبابنا صيداً سهلاً لدعاة التطرف وجامعات ومراكز التكفير لتعبث بنا وبهم وتحوّلهم إلى قنابل موقوتة ومصاصي دماء في سبيل تحقيق رغبة رجال الدين المتطرفين في تطبيق الشريعة كما يرونها هم فقط وذلك لإقامة دولة الخلافة كما صوّروها في مسلسلاتهم التلفزيونية وليس كما قرأناها في أمهات الكتب التاريخية. والأهم من ذلك لا يمكن أن تقتصر مكافحة الإرهاب على إرسال الجنود وضرب أوكار الجريمة لا بد من وقف هذه الجامعات والمراكز التعليمية المتطرّفة والسيطرة على أنشطتها بإشراف الدولة ومراقبة المجتمع، ولابد من مراجعة مناهج التعليم التاريخية ولابد من إشراف وزارة الأوقاف والإرشاد على جميع منابر الخطاب الديني المتعددة ولابد من متابعة ما تقدمه وسائل الإعلام، ولابد من مراقبة مصادر التمويل المالي للجماعات الإرهابية ومصادرتها، و زيادة مستوى التدخل المجتمعي والحكومي في مواجهة الإرهاب في مرحلته الأولى حيث يتم تفخيخ العقول بالتطرّف والشطط الديني البعيد كل البعد عن الإسلام بسماحته ووسطيته، وأخيراً لابد من دعم الجيش ومساندته والوقوف بجانبه في الحرب ضد الإرهاب.