جُمعة أخرى مضت على العاصمة صنعاءواليمن في ظل أزمة تهدّد استقرر البلاد منذ أن رفع الحوثي سلاحه تجاه العاصمة صنعاء وداخلها مهدّداً بنسف كل شيء بأصبعه السبابة. أسابيع مضت والناس ترقب التطورات ويدها على قلبها خوفاً على اليمن من أن تنزلق إلى حرب أهلية تشبه ما يجري في العراق وسوريا بعناوين طائفية وأحقاد لا تعرفها اليمن. عدّة رسائل تمّت خلال الأيام الماضية؛ الأولى هي أن الحوثي وصل إلى صنعاء بحشوده المسلّحة وحاصرها ووضع المتاريس وجرّ معه مدفع الهوزر من أجل عيون «الشعب العظيم» في صنعاء..!!. هذا الوصول إلى صنعاء كان يجب ألّا يتم، وهو كان مستحيلاً لولا الوقائع السابقة التي تمّت، وهي في مجملها زفّت الحوثي ب«غطاريف» ودلال من عدّة أطراف متناقضة تمالت على البلاد بدافع الأحقاد والغباء المركّب؛ كانت تريد أن تأكل الثوم والدم بفم الحوثي المتطلّع إلى الحكم، وأن توجّه إلى أكثر من هدف سهماً واحداً وتستريح، هذه الورقة بدأت من تسليم دمّاج وكتاف وحاشد وعمران و«اللواء 310» تكاد تقول دون حرب. قبل أسابيع كان كل شيء يبدو وكأنه يجري إلى حضن الحوثي بما فيها العاصمة نفسها؛ لكن لم يقل أحدٌ كيف سيستوعبها حجر الحوثي الضيق، وبدا الغموض هو سيّد الموقف، وبدا الحوثي يقترب بكبرياء قرب المؤسّسات بحشوده المفخّخة بالسلاح؛ يقتل مليوناً ويأسر تحت إبطه ثمانية ملايين وورقة جشع «تفيُّد» صنعاء، وهي قضية تاريخية ساقت جموع القبائل كما في الماضي بعصا سحرية..!!. الرسالة الثانية هي التي قلبت الطاولة على الحوثي ومن يدعمه رأساً على عقب، وتحوّلت القوة والانتفاشة إلى ورطة، هذه الورقة قدّمها الشعب بليلة وضحاها عن طريق الاصطفاف الوطني المُبهر وغير المتوقّع، فلقد كانوا يراهنون على السلبية في شارع فارغ من الشعب فامتلأ واكتظ وملأ كثيراً من الفراغات التي صنعها الساسة بهبالاتهم. لقد خرج اليمنيون بصورة غير مسبوقة لحماية صنعاء وحقن الدماء وتنفيذ مخرجات الحوار وإيقاف الوهم، وتقدّم الرئيس هادي هذا المشروع ومعه الأحزاب والشخصيات الوطنية والمواطنون. لقد خرج الشعب إلى صنعاء بصورة لقفت «ما يأفكون» ومازالت متوهّجة إلى اليوم، وبقي المتواطئون يلوكون حقدهم في الفراغ والفشل، رسالة لكل الأطراف أن الشعب لن يقف على الحياد هذه المرة، وللصبر حدود، وللحكمة معالم وأنياب، وأن حياد الدولة لن يتكرّر، وقد كان غلطة الشاطر وكبوة الجواد. كانت رسالة رحيمة قوية؛ ولهذا بدا الحوار والمداراة؛ لقد نفّذت مطالب الحوثي التي يتعلّل بها، سيتم تغيير الحكومة وإنزال الجُرعة، وسيتجه الناس إلى تنفيذ مخرجات الحوار؛ وهي كل مطالب الحوثي المعلنة، وبدلاً من أن يتحوّل إلى بطل ولو وهمي؛ امتعض وامتعص ورفض ومازال؛ لأنه لا يريد سوى تسليمه وصيّة الحكم وميراث جدّه، يريد «القرار السياسي» مثله مثل «آية الله خامنئي» وبدأ بشروط جديدة، وتصعيد أشد في صنعاء والجوف. كان المثل يقول: «الذي لا يسألك حقاً لا تعرف تراضيه» لكن المُدارة طيّبة؛ لأنها تحشر الخصم في محل ضيّق وتسحب منه كل الذرائع كمقدمة لهزيمة نكراء لو استمر في الغطرسة، والذي لا تستطيع أن تراضيه؛ تستطيع بالحق أن توقفه عند حدّه وتوقظه من حلم اليقظة وسبات الوهم. حفظ الله اليمن، وجمع كلمة أبنائه على الصواب. [email protected]