لست وحدي من يشعر بضيق الصدر والانقباض والكآبة، كلما تأزمت الأمور في بلادنا، مع العلم أن بلادنا تعيش حالة تأزم منذ أمد بعيد ( بل هو أمد قريب في حساب الزمن) لكن هناك فارق كبير بين أزمات سببها الجوع من جراء البطالة والغلاء، وبين أزمات سببها الخوف من غياب العقل والحكمة والضمير الحي.. نحن اليوم نواجه أزمات اجتمع فيها في آن واحد الجوع والخوف.. وذلك بسبب احتدام الصراع بين أطراف لم يجدوا في أنفسهم وازعاً من دين أو وطنية ولا في عقولهم رشداً ولا في تربيتهم تسامحاً يجعلهم يحتكمون إلى مبادئ الرشد والصواب، فانزلقوا إلى مهاوي الطيش والنزق في تعاملهم مع قضايا الوطن.. أنتم جميعاً تشاركونني هذه المشاعر المؤلمة والمحزنة ولكنكم لا تفضون بها!. هل يشعر الذين يصنعون هذه الآلام والأحزان بفداحة صنعهم؟ وهل يعلم هؤلاء أنهم قد أوصلوا اليمن ليكون أتعس بلاد الدنيا وأبناؤها أشعث الناس في كل ربوع الأرض؟.. هناك من هؤلاء من سرق خيرات البلاد ونهب ثرواتها وشارك في إضعاف قوتها وإفقار إنسانها وإجداب أرضها، وهناك من أساء إلى سمعة اليمن وحط من قدرها أمام شعوب العالم لأنه اختار مهنة التسول في دول الجوار، فصارت اليمن موضع احتقار أهل الخليج بعد أن كانت نجماً متألقاً في سمائها.. اليوم صارت دول الخليج لا تثق باليمنيين وهم على قائمة المحظور توظيفهم وينظر إليهم نظرة متدنية لا تليق بأمة حية لها تاريخها وأمجادها.. فمن هو المسؤول عن هذه الإهانة التي لحقت بنا؟ أليسوا هم المتسولون الكبار؟.. وبدلاً من أن يشغل السياسيون أنفسهم في رفع سمعة بلادهم واستعادة هيبتها وشخصيتها المميزة، بدلاً من ذلك أخذ بعضهم يكيد للبعض الآخر.. يسهرون الليالي ليس لتمجيد الله وطلب العون منه سبحانه لإنقاذ بلادهم وإخراجها مما هي عليه من حال الضعف والتمزق وإنما يسهرون لوضع الخطط والمكائد للإيقاع بخصوصهم وترى كل طرف قد حدد خصمه بعناية من أولئك الذين ينافسونه على السلطة!! فهل تستحق السلطة التي ينشدون الوصول إليها أن يتعادوا ويتفانوا من أجلها؟ لماذا تصير السلطة في مفهومهم مغنماً وصيداً ثميناً وليست مغرماً كما كان الأولون؟ ومع ذلك، هل رأيتهم يشعرون بالحياء أو الخجل وهم ينزهون أنفسهم عن مقاصد الطمع وينكرون سعيهم المجنون ولهاثهم المسعور للاستحواذ عليها بكل الطرق الماكرة والخبيثة.. لذلك نقول، توقفوا قليلا، راجعوا حساباتكم، لأن المضي على هذا النحو سوف يوصلكم إلى نفق مظلم لن تجدوا العافية بعده.. لابد أن يعلم السياسيون واللاهثون بجنون للوصول إلى سدة الحكم أنهم قد أوصلوا اليمن إلى حافة الخطر، فإذا تماديتم أكثر في تصعيد الأحداث وقررتم الاحتكام للسلاح بدلاً من الاحتكام للعقل، فتكونون بذلك قد وصلتم محطة الانزلاق في اتجاه خطوات الشيطان.. فتوقفوا بالله عليكم عن الاستمرار باللعب بالنار.. توقفوا عن تزكية أنفسكم واتهام الآخرين.. توقفوا عن الاستمرار في التمادي في السير في طريق الغي. هناك أمور كثيرة يمكنكم مراعاتها والانشغال بها عن أعمال الكيد والمكر والانتقام، أمور كثيرة تنتظركم ترفع مقامكم ودرجتكم عندالله، وتكسبكم حب الناس وتأييدهم.. لماذا لا يكون هناك تنافس بين الأحزاب والهيئات والمؤسسات والقبيلة أيضاً في وضع برامج تربوية سلوكية ورياضية ونفسية تستطيع اليمن من خلالها تربية النشء والارتقاء بسلوكياتهم إلى حيث يتمكنون من التغيير النوعي في تعاملهم مع الحياة، يتحولون عن أخلاق الشارع وهمجية الرعاع.. بل تزكو نفوسهم وتسمو أخلاقهم وتتهذب طباعهم.. لماذا لا نسمع عن حزب أو قبيلة أو نخبة قرر الابتعاد عن السياسة وحبائلها ومكرها وكيدها إلى حيث يتفرغ زعماؤه وقادته وكوادره وعلماؤه لتأهيل الشباب ليكونوا صورة مشرفة تليق باليمن ماضيها وحاضرها وتمسح السوء والقبح الذي ألصقه السياسيون في وجهها، ليكونوا نماذج متقدمة للمحبة والتسامح ونشر معاني الخير والسلام ويحتسبون هذه الأعمال “قربى” ينشدون منها رضا الله وإسخاط الشيطان بدلاً من تلك الأعمال التي تسخط الله وترضي عنهم الشيطان.. يقدمون عربون محبة للوطن وإثبات حسن نية للمواطنين..؟! إن هناك اليوم من يقطع الطريق ويروع الآمنين باسم الله وباسم الشرع والقانون، ويغرر بالصغار ويضلل الكبار ويفرض نفسه سيفاً مسلتاً فوق رؤوس البلاد باسم التاريخ والتراث وباسم الدين الحنيف، اسألوهم بالله عليكم؟ من أوصاهم بذلك؟.. ومن أين حصلوا على التفويض؟ هناك أمور كثيرة في اليمن تحتاج إلى تغيير وتصحيح وهناك أخطاء فادحة ارتكبتها الحكومات المتعاقبة منذ السبعينيات حتى اليوم وهناك سرقات عظيمة حدثت بسبب الفساد المالي والإداري وبسبب موت الضمير لدى موظفي الدولة كبيرهم مع الصغير وهناك انفلات أمني كبير لأن مقاليد الأمور ما زالت حتى اليوم في أيدٍ غير أمينة وقد كان حريا بهذه الأصوات الغاضبة والمواقف المتشددة أن تقف صفاً واحداً في دعم رئيس الجمهورية ومساندته في تطهير البلاد من الفساد والمفسدين، لا أن تضيف إلى الفساد المالي والإداري والعبث الأمني الذي ورثناه منذ أيام اللقاءات مع الزعيم الأوحد الذي لم يكن له شبيه ولا ند ولا مثيل في عالم السياسة والاقتصاد والتعليم، وبينما الكثيرون منا كانوا يعتقدون غير ذلك لكن التصفيق المدوي والهتافات التي تصم الآذان وتفحيص الأقدام المزعج والحماس المفرط لأولئك الذين كانت أجهزة الأمن تسوقهم سوق النعاج إلى هذه اللقاءات، هذه الأشياء وغيرها لم تترك مجالاً للعقل أو الحكمة أو المنطق أن يخرجوا عن إجماع أصحاب الأيدي الملتهبة بالتصفيق والحناجر المبحوحة من كثرة الصراخ المجنون!!. إذن فهذه هي تركتنا التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، كان الواجب الاستفادة من تجاربنا السابقة، وليس أن نكدس وتيرة الأخطاء إننا نعلم من مصادر أمينة أن الأخ السيد عبدالملك الحوثي ما زال شاباً صغير السن، قليل الخبرة، وجد من يستغل بساطته وبراءته في النفخ في أوداجه أن الساعة ساعته والزمان زمانه وقد سنحت له فرصة فليعض عليها بالنواجذ.. وما هي الفرصة ؟ أن يكشر عن أنيابه ويضرب ضربته ويحيل المناطق التي يقتحمها أنصاره إلى قطيع من الناس يتبعون مذهبه أو يحيلهم إلى رماد..!!. لا أستطيع أن أصدق ذلك، هذا ما قلت لأصحاب الرواية، قالوا: وهل قطع الطريق وترويع الآمنين وقتل الأبرياء وإجلاء الناس من دورهم والموظفين من مكاتبهم أقل شأناً أو أقل فداحة مما لم تصدقه؟!!.