أقول للقلم أكتب فلا يكتب وأقول له ابك فيبكي!! وهذا ما زاد في حزني وأبكاني، أن يبكي القلم، ولا يبكي الإنسان، فقد كذبوا عليه حين قالوا لا تبكى إلا النساء، وهذه مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانية “السابقة” وصفوها بالمرأة “الحديدية” قالوا عنها أنها امرأة تمتلك شاربي الملكة فيكتورية، تلك التي كانت تثير الرهبة في قلوب الرجال، لم يكن صوتها يمت إلى الأنوثة بصلة، وكانت تمتطي حصانها على طريقة جنكيزخان، لم تكن امرأة ونصف كما وصفها البعض، بل رجل ونصف يضاف إلى ذلك نصف امرأة “عن كتاب للمشاهير والعظماء”. هذه المرأة الحديدية ما إن تلقت نبأ غرق السفينة الحربية “شيفيلد” أثناء حرب جزر الفوكلاند في الأرجنتين عام 1982م حتى أخذت دموعها تنهمر كالمطر، ثم أخذت تنتحب، وظلت على هذا الحال ما يزيد عن خمس وأربعين دقيقة، كانت تبكي من أجل عزة بريطانية وكرامتها وسؤددها وشرفها، رغم أن السفينة لم تغرق في بحر المانش، وإنما غرقت في بحر الأرجنتين البعيد جداً جداً عن شواطئ إنجلترا!! فكم من الرجال في اليمن بكوا على ذهاب جزيرة قبل أن نستردها بحكم دول وليس بعدتنا ولا عتادنا، فنحن أضعف من أن نفعل شيئاً كهذا، وهذه حقيقة لا تجد في اليمن من يبكي حزناً وقهراً على ما نحن فيه من هوان ومن ضعف ووهن، عدى محمد سالم باسندوة بكى بكاءً مراً ذات يوم من أجل سمعة اليمن أن تضيع أو تفقد هيبتها أو يكسر ناموسها بسبب وجود بعض الكائنات التي لا تهمها إلا مصالحها، وليس يهمها شيء من أمر اليمن، فهل لقى باسندوة من التقدير والاحترام من اليمنيين ما لقيته مارجريت تاتشر من البريطانيين؟ أم وجد الاستهجان والشماتة باعتبار أن البكاء لا يكون إلا للنساء؟!! إذن فما هي صفة الرجال في بلادنا التي يريدون أن يتشبهوا بها حتى لا يكونوا مثل النساء على حد زعمهم؟ بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند موت أبنه إبراهيم وبكى عندما قص عليه أحدهم أنه قتل ابنته وكانت في ريعان شبابها لأنه خشي العار على نفسه من المجتمع الجاهلي! كان يقول عليه الصلاة والسلام: “لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً” ولعل الله تعالى قد كشف لنبيه بعض ما سيحدث في الساحة الإسلامية من خروق عن الدين وقسوة للقلوب وشحة في النفوس ومن إراقة دماء وترويع للآمنين. نعم! ليس على سبيل المجاز بل هي الحقيقة بعينها إذا قلت لكن أنني في هذه المرة لم أستطع كتابة شيء له قيمة أو فائدة لعدة أيام فأرجعت اللوم على القلم الذي أبى أن يكتب فقد توقف التفكير وتحجر العقل وتصلبت الأنامل والتصق القلم في مكانه بينها فخطر ببالي أن أقول للقلم ابك، وإن لم ترد أن تكتب، هنا فقط انفكت عقدة القلم، وبدأ يبكي على طريقة الكتابة أو يكتب على طريقة البكاء!.. إنني أجد نفسي في حال توتر وغليان لا أعرف له مثيلاً إلا في حالات نادرة جداً، وذلك بسبب ما يحصل في بلادنا من سوء قد تجاوز حدود ما يطلق عليه الناس أخطاء وعيوباً وانحرافات إلى ما يصل أن يتساوى في بشاعته وحقارته ومأسويته مع أشد الجرائم وحشية ودموية، يقوم بتنفيذ ذلك شباب محسوبون على اليمن تحمل رؤوسهم عقلية المغول وجبروت النازية وقسوتها. أي إنسان هذا الذي يتشبه بالكلاب المسعورة التي لا تستطيع إلا أن تهاجم كل شيء يتحرك، لا يفرقون بين طفل أو امرأة، ولا صغير ولا كبير.. وكذلك كانت تلك الكائنات الآدمية المسعورة التي أخذت تطلق النار على كل شيء يتحرك في ساحة المستشفى، فهذا طفل يستجير بحامل سلاح فلا يجيره بل يقتله، وهذه ممرضة تستجير بآخر فإذا هو قد تحول إلى وحش، كانت تظنه إنساناً يساعدها في إنقاذ حياة مصاب فتجد نفسها مقتولة!! ف” بأي ذنب قتلت”؟ وهذا طبيب وذاك عابر سبيل، هذا آمن في مكتبه أو في سيره لا يدرون لماذا يقتلون.. فمن ذا يستطيع أن يضمد جراح قلوبنا بعد هذه المجزرة العبثية المجنونة التي لا نجد وصفاً يليق بأصحابها الذين خططوا لها والذين قاموا بتنفيذها سوى أنهم كلاب مسعورة. ويخطئ من يظن أن اختطاف إنسان كان يسير آمناً في طريقه إلى عمله أقل فداحة من المذبحة الدموية في مستشفى العرضي بصنعاء، فالمجتمع الذي لا يبكى من فداحة عمل مشين كهذا، فلن يبكي إذا ضاعت بلاده في أيدي الطامعين، ولن يبكي على ضياع المبادئ والقيم، ولا التاريخ أو حتى العقيدة التي نراها تتعرض للتشويه والإساءة والنيل منها نهاراً جهاراً من أبنائها قبل أعدائها، وعندما يفقد الإنسان الإحساس بآلام الآخرين، بل هو يصنع أحزان الآخرين، فهناك من يعيش على فتات موائد الآخرين أثناء النهار حتى إذا ما أسدل الليل ستاره تفرغ لرسم الخطط للكيد لهم والمكر بهم، وما علم أمثال هؤلاء أنه “لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله”.. “وأن الله لا يهدي كيد الخائنين”. إن الذين يختطفون الناس ويروعون الآمنين ليسوا فقط أهلاً للنبذ والاحتقار من قبل مجتمعاتهم الأسرية والقبلية، بل هم يعدون أنفسهم ليكونوا قتلة المستقبل والبكاء وحده لا يكفي لمواجهتهم، إلا القدر الذي يشحن النفوس ويقوي العزائم لاستخدام إمكانية الدولة ممثلة بالأجهزة الأمنية في تعقبهم أينما كانوا وأين ما اختبوا. رابط المقال على الفيس بوك