لا تزال البلد خارجة من معارك صمود وصبر وجلد. ماذا يعني أن يثور شباب بصلابة الصخر، وفي الأخير يوصلوا إلى السلطة رئيس يبكي على «الرائح والجاي» . صديقي ليس مجحفاً، فكل ما في الأمر أنه عبر عن ما يجول في خاطره بطريقته التلقائية. وربما أن طريقة صديقي وتلقائيته في نقد دولة الرئيس «باسندوه»، تشبه تماماً التلقائية التي تنهمر فيها دموع الكهل باسندوه أو الوالد باسندوه أو المواطن باسندوه عندما تلفح قلبه النيران التي يكتوي بها الشعب. ولأني لا أحب التمجيد والتطبيل والتلميع. أقول لدولة الرئيس لا تغرقنا بدموعك، فنحن غارقين من سنوات بدموع الفقراء والمظلومين. وفي نفس الوقت أقول لكل يمني شريف أتبع دموع "باسندوه" بدموع صادقة أو رأى في هذه الدموع ضعف. لو كنت مكان رئيس الوزراء لما توقفت عن البكاء ففي كل شبر من اليمن جرح دامي. يبكي الشرفاء دماً كلما نُكئ. يا دولة الرئيس: لقد تعودنا على الجراح الدامية، فلم يعد يبكينا ما يبكيك فعندما تفكر بأسره قتل من يعولها دون أن يأخذ لهم بحق فافترشت الأرض والتحفت السماء لن تبكي لأنك تحلم بوطن لا تحتاج فيه للحماية. وعندما تجد يا سيدي أسرة تتشارك مع الكلاب الضالة قوتها وتبحث في براميل القمامة عن بقايا رغيف أو حبات رز تمنع بها أمعائها عن الالتصاق، فلن تبكي مطلقا عندما تقارن صنعاء بالدوحة و لن تبكي حتى لو قارنتها بباريس أو موسكو . على ثقة تماماً أن دموعك التي سبقت كلماتك لا تنتمي لأي شكل من أشكال البروبجندا, وبأننا بحاجة لرجال تبكي أكثر من حاجتنا لرجال غلاظ شداد. فنحن نحتاج لمن يحس بألآم الشعب، أكثر ممن يبحث عن آمالهم, نحتاج لمن يشاركنا الدموع ويشاركنا الهموم. نحتاج لمن يكفكف دموعنا قبل أن تجف دموعه. ما أجمل أن يبكي مسئولاً, وما أجمل أن يحس بجراح الناس, ويعرف ما يعانوه. أرجوكم لا تكفكفوا دموع الرئيس. أرجوكم لا «تطبطبوا» على كتفيه, دعوه يبكي وينتحب, ودعوه يعرف أن الكثير من أبناء هذا الوطن «المكلوم» يبكون وينتحبوا ولا يجدوا من يكفكف دموعهم . دعوه ربما أحتاج إلى من يقدم له منديلاً يمسح بها دمعه, فيقدم هو قطعة «شاش» يمسح بها دماء أحد جرحى الثورة أو أحد جرى الخلافات القبلية وانتشار السلاح أو أحد جرى الحوادث التي لا يخلوا شارع منها بسبب رداءة هذه الشوارع. أرجوكم دعوا الرئيس يبكي فربما عرف أن البكاء ليس ممتعاً البتة, أمنحوه فرصة ليدرك أن الشعب لم يثور من فراغ. دعوه ربما تلمس حاجة الأيتام وتفقد أحوال المعوزين وألتفت إلى العاطلين ورأى حال العمال والكادحين وعرف لماذا تتبلل الأرض بدموع المعدمين ولماذا يجف الدمع من عيون المظلومين. ربما عرف سبب أنين من لم يجد الدواء, و ارتعاش من لم يجد الكساء, وحشرجة المجبور عن الصمت الممنوع من البكاء, ربما عرف لماذا يأكل الناس الفقراء عندما يجدوا الطعام بنهم مخيف. ربما أدرك لماذا يفترش أبناء الجعاشن الشوارع دون أن يكلوا, ولماذا تكتظ الساحات بالبسطاء لأشهر دون أن يملوا. ياسيدي: لقد لامس دمعك قلوبنا. لكن هذا الدمع الصادق. إذا لم يطعمنا رغيفاً, ولم يمنحنا عملاً, ولم يوفر لنا دواءً, ولم يعطينا كساءً, ولم يرد لنا حقاً، ولم ينتصف لنا من ظالماً، فنرجوك لا تغرقنا بدموعك فنحن غارقين من سنوات بدموع الفقراء والمظلومين. يا دولة الرئيس: لقد أحببت أن أدافع عن دموعك التي أحسبها والله صادقة. ولكني يا سيدي أردت قلمي أن يكتب بنفس التلقائية التي انهمرت بها تلك الدموع. فهذه دموع قلمي لا أكثر.