المتغيّرات التي تشهدها الساحة الاقتصادية العالمية في هذه المرحلة التي تسودها الصراعات الاقتصادية والتكتلات الاقتصادية الكبيرة، وفي ظل تلك التحوّلات والتحدّيات الخطيرة؛ يتحتّم على الدول العربية التمعُّن في دراسة طبيعة هذه المتغيّرات الاقتصادية والتحديات، ومعرفة ماهية مدلولاتها وما أحدثته من تداعيات، على المجتمع الاقتصادي عامة وعلى الشعوب العربية وفقاً لرؤية استراتيجية تستند إلى الفكر الاقتصادي العربي وتعتمد على التعاون كآلية ووسيلة وهدفها الأساسي هو التكامل الاقتصادي العربي والتضامن؛ ولكي يتحقّق ذلك لابد من وجود إرادة سياسية عربية تؤمن بأهمية وضع المعالجات المناسبة لمواجهة الآثار والتبعيات السلبية للعولمة في جوانبها الاقتصادية قبل حدوث المزيد من العواقب والأضرار التي يواجهها الإنسان العربي في جميع الأقطار. وهذا بالطبع يمكن أن يتم من خلال العمل العربي المشترك والجهود الجماعية بعد أن تحظى هذه الأفكار باقتناع الحكومات العربية، وعند ذلك سيتضح للعرب أن التعامل مع العولمة الاقتصادية يستوجب إيجاد تكتل اقتصادي عربي يجعل للعرب شأناً اقتصادياً كبيراً على الساحة الاقتصادية العالمية، ويستطيع مواجهة أي تحديات، كما يسهم في تشكيل التركيبة الاقتصادية، وصياغة أسلوب التعامل مع العولمة عبر رؤية عربية أساسها مصالح الوطن العربي الأرض والإنسان؛ في الحاضر وفي المستقبل، أمل الأجيال في البلاد العربية أرض الأديان. ولهذا يجب حشد جميع الطاقات لتحقيق تلك الأمنيات بدءاً بتفعيل المؤسّسات الاقتصادية والفكر الاقتصادي العربي ورؤوس الأموال العربية وتوظيف الإمكانات المختلفة مادية كانت أو بشرية، فمقوّمات الثروات العربية موحّدة تمكّن العرب من مواجهة هذا الطوفان ودرء مخاطر العولمة من خلال القدرات والإمكانات والفكر السديد والحكمة، فالأمر أخطر مما يمكن تصوّره، والنتائج وخيمة في حال استفحاله وتطوّره؛ لأن العولمة لا تهدّد فقط الأوضاع الاقتصادية؛ بل تتجاوز ذلك إلى تهديد الأوضاع الاجتماعية والسياسية العربية. والأسوأ من هذا أن مخاطرها تمس الأوضاع الثقافية والأخلاقية والدينية، ألا تستحق هذه الأمور التفكير الجدي والتدبير، وهل سيتم تدارك ذلك بالمبادرة نحو إيجاد تعاون وتكامل اقتصادي حقيقي أمام تلك المحاذير..؟! فربما حان الوقت المناسب للمضي في طريق الأمل لتحقيق الحلم العربي عبر التعاون والتكامل، فهو السبيل الوحيد والاختيار الأمثل لمواجهة تلك المتغيّرات والتهديدات، وأولى الخطوات على الصعيد الاقتصادي هي تصحيح المسارات ومعالجة الشؤون الداخلية باتخاذ إجراءات عاجلة لإصلاح وترميم الساحة الاقتصادية العربية، ثم تفعيل المشاريع الاقتصادية التي تعثّر تنفيذها في الفترات الماضية من خلال رؤية مشتركة ومحدّدة واستراتيجية عربية موحّدة، وليتوالى اتخاذ المزيد من الإجراءات العملية لتحقيق إنجازات ملموسة في مجالات التنمية الاقتصادية العربية، وصولاً إلى بلوغ الأهداف المرجوة والآمال لضمان مستقبل الأجيال، وتلك هي القضية.