بريطانيا تُفجر قنبلة: هل الأمم المتحدة تدعم الحوثيين سراً؟    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    متهم بقتل زوجته لتقديمها قربانا للجن يكشف مفاجأة أمام المحكمة حول سبب اعترافه (صورة)    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    "نكل بالحوثيين وادخل الرعب في قلوبهم"..الوية العمالقة تشيد ببطل يمني قتل 20 حوثيا لوحده    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    إشاعات تُلاحق عدن.. لملس يُؤكد: "سنُواصل العمل رغم كل التحديات"    ما معنى الانفصال:    مقتل عنصر حوثي بمواجهات مع مواطنين في إب    برشلونة يتخطى سوسيداد ويخطف وصافة الليغا    اليمن تجدد رفضها لسياسة الانحياز والتستر على مخططات الاحتلال الإسرائيلي    البوم    الرئيس الزُبيدي يستقبل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ونائبه    انخفاض أسعار الذهب إلى 2354.77 دولار للأوقية    شهداء وجرحى جراء قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على شمالي قطاع غزة    السفيرة الفرنسية: علينا التعامل مع الملف اليمني بتواضع وحذر لأن الوضع معقد للغاية مميز    السعودية: هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    مباحثات يمنية - روسية لمناقشة المشاريع الروسية في اليمن وإعادة تشغيلها    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    احتجاز عشرات الشاحنات في منفذ مستحدث جنوب غربي اليمن وفرض جبايات خيالية    رشاد كلفوت العليمي: أزمة أخلاق وكهرباء في عدن    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    بناء مستشفى عالمي حديث في معاشيق خاص بالشرعية اليمنية    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    وكالة أنباء عالمية تلتقط موجة الغضب الشعبي في عدن    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    دموع ''صنعاء القديمة''    ماذا يحدث في عدن؟؟ اندلاع مظاهرات غاضبة وإغلاق شوارع ومداخل ومخارج المدينة.. وأعمدة الدخان تتصاعد في سماء المدينة (صور)    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    قيادي انتقالي: الشعب الجنوبي يعيش واحدة من أسوأ مراحل تاريخه    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    تعيين الفريق محمود الصبيحي مستشارا لرئيس مجلس القيادة لشؤون الدفاع والامن    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    بسمة ربانية تغادرنا    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الواقع العربي فراغ سيملأه التضامن
نشر في الجمهورية يوم 19 - 04 - 2010

قراءة للمصالح الوطنية اليمنية من خلال مبادرة اليمن العربية
من المتعارف عليه أن كل دولة محكومة في سلوكها بمصالحها الوطنية، وأن السياسة العامة للدولة ليست إلا انعكاسا لتلك المصالح لتحقيق الأمن القومي كمحدد جوهري للسلوك، ومن المؤكد أن الدولة هي المعني الوحيد بتحديد مصالحها وهذه المسألة غير قابلة للمرجعة، لكن علينا أن ندرك أن السياسة العامة يصنعها أفراد وغالبا ما تتم إعادة تفسير المصالح الوطنية بما يخدم صانعي القرار والقوى المؤثرة، وهذا يولد حالة صراع داخلي بين القوى المختلفة فيما يخص تفسير المصالح الوطنية.
من يتابع وضعنا العربي فيما يخص العمل المشترك بين الدول سيجد أن الصراعات بين القوى السياسية وبين الدول نفسها والتناقضات الإيديولوجية التي أفرزتها التيارات المتعددة، أوجد حالة من الشك والخوف وانعدام الثقة، وما عمق من حالة عدم الثقة سلوك بعض النخب الحاكمة والتيارات السياسية في توظيف مفاهيم الوحدة والعمل المشترك لتبرير الأعمال غير المشروعة، وهذا أعاق أي محاولات لتفعيل العمل العربي المشترك.
لعبت التدخلات الأجنبية دوراً كبيراً في إعاقة تحقيق الأهداف القومية المعلنة للدول الوطنية، إلا أن الصراع العربي العربي كان له الدور الفاعل في عرقلة العمل العربي المشترك، كما أن الوحدة كمفهوم وخيار تمت أدلجته لدى التيارات القومية ومن خلال الايديولوجية بأبعادها المعيارية تولد صراع عنيف بين مختلف القوى الوطنية داخل كل دولة وبين الدول العربية نفسها، وأدت الصراعات الماضية ومازال بعضها موجودا ًإلى فقدان التوازن وأصبحت الوحدة العربية خياراً مخيفاً لدى البعض وخياراً انتهازياً لدى نخب أخرى لحماية المصالح الوطنية “للدولة القطرية” أي ان شعار الوحدة تحول إلى قوة ضاغطة منتجة للصراع، ومن خلاله تم انتاج صراعات في المنطقة خلقت بيئة نفسية معادية للمفهوم، ومن خلال شعار الوحدة تقاتل العرب بالكلام والسلاح وصارت الوحدة هي الخاسر الكبير.
دعوني هنا أضرب مثلا بسيطاً في تعامل بعض التيارات القومية في اللحظة الراهنة مع الدولة الوطنية، سنجد أن هناك رفضاً لفكرة الوطنية باعتبارها نقيض للقومية، وهذا الكلام في ظل رسوخ قوة الدولة الوطنية لم يعد ذات جدوى، المشكلة أن طرح كهذا جعل القومي يعادي الدول الوطنية ونخبها السياسية بالذات الحاكمة وبالتالي أدخل نفسه وافكاره بنزاع مع تلك القوى وهذا دفعها في الغالب إلى الدخول بمواجهة مع الفكر القومي ومحاصرة اصحابة، والصراع مع النخب السياسية عزل الفكر القومي عن مراكز صناعة القرار.
ربما يكون صراع التيار القومي مع الأنظمة داخل الدولة الوطنية لا علاقة له بالأفكار القومية وإنما بالمصالح المتنازع عليها في المجتمع وهذا الصراع لا يؤثر كثيرا على الطرح القومي، ولكن تبني مواقف سلبية من الانظمة وفق منظورات إيديولوجية من قبل التيار القومي بشكل عام خلق حاجز بين القوى الفاعلة في الدول والتيار القومي وولد صراعات عبثية لا علاقة لها بالأهداف القومية على مستوى الواقع.
لم يتمكن التيار العربي من تجديد نفسه وظل رهينة لأفكاره التقليدية أو رهينة لأنظمة محترفة في تبني القومية كشعار لترسيخ شرعية وجودها المحلي وخلق تيار في المنطقة داعم للنخبة الحاكمة ومصالحها دون تقديم شيء يذكر لتطوير العمل المشترك بل الدفع في اتجاهات صراعية عدمية معيقة ومعرقلة لعمل عربي عقلاني ومتزن.
صحيح أن كثير من القوى الحاكمة الصانعة للقرار في الدولة العربية مهمومة كثيرا بمصالحها الآنية، وهذا جعل أغلبها غير قادر على التفكير بالمستقبل، إلا أن النخب المهيمنة هي تعبير عن قوى حقيقية في الدولة، ولها الحق الكامل في الاستجابة لتلك المصالح، ومحاولة نفي مصالح المهيمنيين على القوة المتحكمة في صناعة القرار يخلق حالة من الفرقة والشتات، المطلوب هو تفهم مصالح الدولة الوطنية ومن يمثلها وترك التحولات الداخلية لكل دولة تسير وفق ظروفها الداخلية وتفاعل القوى المختلفة والمتأثرة تلقائيا بتحولات الإقليمية والعالمية هو من سيحدد طبيعة توزيع السلطة وعلينا أن ندفع بهدوء لصالح الأفعال الخادمة لمصالح المنطقة مع تفهم وجهات النظر لجميع الأطراف.
لا خيار أمام العرب إلا الاتحاد
فالاتحاد العربي لم يعد خيارا في هذا اللحظة التاريخية بل ضرورة فرضتها التحولات المختلفة، كما أن التجربة التاريخية للدولة الوطنية في المنطقة العربية تؤكد أن التضامن هو الخيار الأكثر جدوى لحماية المصالح والأمن أياً كانت طبيعة النظام السياسي أو القوى المهيمنة، والمتابع للحرك في المجال العربي هذه الأيام سيجد أن صناع القرار في توجهاتهم الراهنة يبذلون قصارى جهدهم لتجاوز صراعاتهم التي فرضتها ظروف غير طبيعية مازالت فاعلة ولدى جميع الأطراف قناعة أن الوقت قد حان لتحكيم العقل والسير في اتجاه حماية الأمن والمصالح وفق استراتيجية واضحة لتحقيق السلام والاستقرار.
من جانب آخر فإن النخب الحاكمة في ظل واقع التحولات منذو نهاية القرن الماضي وحتى اللحظة صار لديهم قناعة أن ضعف التعاون واهتزاز التضامن العربي جعل المنطقة العربية تعاني من حالة فراغ، ولابد من إعادة ملء الفراغ بتحريك مياه العمل المشترك وتفعيل التحالفات العربية بما يجعلها قادرة على تحديد مصالحها بناء على خيار ذاتي غير متحكم فيه.
وعلى ما يبدو أن الأنظمة العربية تدرك أنه في حالة تراجع التضامن فيما بينها وعجزها عن مواجهة التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية فإن الفراغ الموجود في المنطقة ستحتله قوى أقليمية ودولية بالاستناد على تحالفات داخلية، وهذا حسب تصوري سيولد داخل المجتمعات في كل دولة صراعات عبثية مدمرة لن تغير خريطة المنطقة فحسب بل ستدخل المنطقة في حالة من الفوضى لن تتضرر مصالح القوى الصانعة للقرار والمؤثرة عليه بل سيقود المنطقة بدوله المختلفة في صراعات مدمرة للتنمية والتقدم وهذا قد يعزل العرب عن التحولات ويحولهم إلى قوى فوضوية مدمرة لذاتها ومهددة بشكل جدي لمصالح العالم.
لا خيار أمام العرب إلا بإعادة صياغة العلاقات باستراتيجية واضحة وتجاوز الماضي بما يؤسس لقوة الدولة الوطنية ويرسخ علاقات عربية منتجة للقوة في مواجهات التحديات والمخاطر التي افرزتها التحولات الداخلية والخارجية، وهذا بحاجة إلى طرح المبادرات الكفيلة بتجاوز تجارب الماضي وافرازات الواقع الراهن التي هي في المحصلة النهائية نتيجة لتراكمات الصراعات الماضية.
الجامعة العربية تجربة رائدة لكنها ناقصة
لابد من أن نتناول تجربة الجامعة العربية بموضوعية باعتبارها بيت العرب الذي يتم من خلاله صناعة العمل العربي المشترك، وعندما يُمارس النقد تجاه الجامعه وتاريخها فإن الهدف الأساسي هو تجاوزها والاستناد على تجربتها والتأسيس لآلية عمل أكثر فاعلية. الجامعة العربية هي الجهاز الذي تجسد فيه العمل العربي، وفي أروقة الجامعة وقممها تم بناء المشاريع الورقية، ولم تتمكن الدول من تفعيل الاهداف والخطط والبرامج التي تم التوافق عليها.. كانت وظيفة الجامعة هي تفكيك الخلافات دون حلها، صحيح أن الجامعة تمكنت من حماية الدول الوطنية من عنجهيات الإيديولوجيا المتنمرة ومن صراعات العرب التي ولدتها تناقضات المصالح، إلا أنها ولدت أثناء عملها صراعات كثيرة وتحولت في آحايين كثيرة إلى مكان لإنتاج الخلاف، ومن خلالها تم شرعنة قرارات الدول الوطنية في حماية مصالحها حتى وإن تناقضت مع مصالح العمل العربي المشترك، وعجزت عن تفعيل مصالح الدول من خلال العمل الجماعي.
ومما لا شك فيه أنها بيت العرب الواقعي أو المزار الذي قبرت فيها إيديولوجية الوحدة وانتصر فيها العقل بلا نتائج عملية، حاولت الجامعة أن تبني وحدة على أسس واقعية، إلا أنها كآلية كانت ضعيفة وظلت مرتهنة كلياً لقرارات الدول، وتجربتها الماضية تؤكد أنها قد أدت دورها والتحولات الراهنة تؤكد ان استمرارها مخاطرة كبيرة على مصالح الدول العربية وأمنها الوطني وهي من ناحية فعلية لم تعد قادرة على الانتاج.
حاول العرب في ظل الضغوط التي فرضتها التحولات أن يبعثوا الحياة في الجامعة إلا أن طبيعة تكوينها وطريقة عملها مهما كانت النوايا صادقة جعل منها مكانا لإنتاج الكلام لا العمل المنتج، وعلينا أن لا ننسى أن الجامعة حققت انتصارات كثيرة لحماية الكرامة، لكنها انتصارات فرضتها لحظات تاريخية الانفعال معها كان واجب لابد منه حتى لا تثور العاطفة العربية المنتهكة في هزائم متلاحقة.
قراءة في المبادرة اليمنية
قد يبدو صانع القرار اليمني في سياسته الخارجية أكثر نشاطاً ًوحيوية ومثالي في طرحه مقارنة بالحراك الداخلي ألا ان واقع الحال يؤكد ان السياسة الخارجية اليمنية ليست إلا انعكاسا لحاجة اليمن ومصالحه الوطنية، فكثيراً من المشاكل الداخلية نتيجة قلة الموارد ومشاكل الداخلية بحاجة إلى سياسة خارجية نشطة وفاعلة، فاليمن مجال حركته ضيقة وهو بحاجة إلى منظومة عربية متضامنة يحقق مصالحه من خلالها، وهو يدرك أهمية موقعة لأمن العرب القومي ويدرك مخاطر مشاكله في حالة استفحالها على أمن العرب لذلك فلدى اليمن حس عربي قوي وعميق فرضته تجربته التاريخية وحاجاته الراهنة، ويمكن القول إن اليمن يبحث عن وجوده في حركة خارجية محمومة والتضامن العربي من أكثر المداخل الكفيلة بمساعدة وهذا ربما يفسر أن العقائد السياسية للرئيس صالح وللنخبة السياسية اليمنية والتي تركز بشكل دائم على المسألة العربية، كما أنه لا يوجد تيار سياسي في اليمن إلا والمسألة العربية محدد جوهري في وعية وفي فهمه لدور اليمن الخارجي، من ناحية أخرى فإن الهوية اليمنية لا يمكن فهمها إلا بوجهها العربي وإن كان اليمني لا يفرق كثيرا بين الإسلام والعروبة.
ويمكن القول إن العولمة قد ولدت الكثير من المشاكل على المستوى الوطني واليمن من أكثر الدول العربية تأثراً بالتغيرات العالمية لذا فإنه أكثر إحساسا بضرورة التعاون لمواجهات المعضلات التي فرضتها التحولات العالمية في شتى جوانب الحياة، ويمكن قراءة الحاجة اليمنية المستوعبة لمصالحها ولمصالح الدول العربية من خلال المبادرة التي تقدم بها الرئيس العربي إلى قمة سرت، فاليمن حسب المبادرة تبحث عن أمة عربية تمتلك: “ إستراتيجية سياسية واقتصادية ودفاعية وأمنية واجتماعية شاملة”، وتؤكد المبادرة أن الأمة العربية “ قادرة على إعادة تنظيم وتنسيق وتوحيد قدراتها وإمكاناتها لتحقيق التكامل السياسي والاقتصادي العربي الشامل”.
وصانع القرار اليمني من خلال المبادرة وصياغتها يبدو لي أن حسه التاريخي عال وقراءته للتحولات ناضجة ويبدو لي أنه يمتلك مؤهلات إيجابية في صناعة المبادرات وفي الوقت المناسب، كما أن لديه عقلانية من حيث الفهم والحل، فقد أكدت المبادرة في مقدمتها: “أن الظروف المحيطة بالأمة العربية وبالعمل العربي المشترك تفرض بالضرورة، أن تتم إعادة صياغة العمل العربي المشترك من الأساس، وفي الأهداف، لننتقل بالجامعة العربية من وضعها الحالي، مع كافة أجهزتها ومؤسساتها، مستفيدين من إيجابياتها وسلبياتها على مدى أكثر من خمسين عاماً إلى كيان عربي جديد يُسمى «اتحاد الدول العربية» يتوافق مع المتغيرات والتطورات الإقليمية والدولية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية، ويحقق الأمن القومي لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد حاضر ومستقبل الأمة العربية، وتعيق تقدمها وطموحاتها، لتحقيق اتحاد الأمة في النهاية من خلال الوحدة الاقتصادية الشاملة”.
من ناحية أخرى المبادرة تبحث عن الممكن من خلال الطرح المثالي القريب إلى حاجة الواقع فالمبادرة كانت واقعية وتتجسد واقعيتها في التالي:
تركيزها على الوحدة الاقتصادية بما يخدم مصالح الدول الوطنية ولا يتجاوز مصالحها بل يؤكدها ويدعمها ويرسخ شرعية وجودها.
حماية الدولة الوطنية وترسيخ سيادتها وحمايتها من فوضى التدخلات وحماية الأنظمة السياسية من التمرد والفوضى والإنقلابات.
حماية الدولة الوطنية من خلال الأمن الجماعي للدول العربية وعدم التدخل في الشئون الداخلية.
ولم تكن أهداف الإتحاد خيالية أو مثالية بل مستوعبة لحاجات الواقع المحلي والإقليمي والدولي حيث ركزت “على تحقيق التكامل الاقتصادي”، من خلال ترسيخ قوة الدول الوطنية الاقتصادية حتى تتمكن من تحقيق أهداف الاتحاد حيث نصت المبادرة فيما يخص الدولة الوطنية على التالي:
استكمال الإصلاحات الاقتصادية لخلق مناخ عمل اقتصادي متكامل بين دول الاتحاد”
الدفع بعملية التنمية المستدامة في دول الاتحاد، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وصولاً إلى تحقيق هدف رفع مستوى معيشة مواطني الاتحاد.”
دعم وتشجيع القطاع الخاص في «اتحاد الدول العربية» لإرساء علاقات شراكة حقيقية بين دول الاتحاد”.
فالتنمية الداخلية ضرورية لتسهيل عمل الإتحاد وهي المدخل الأساسي ل “تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول الاتحاد” والذي يمكن تحقيقه كما نصت الأهداف من خلال التالي:
تطوير العمل الاقتصادي المشترك وتبادل المنافع لإقامة تكتلٍ اقتصادي فاعل أمام التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية”.
تحقيق السوق العربية المشتركة وتحرير انتقال العمالة ورؤوس الأموال بين دول الاتحاد”.
توحيد كافة الأطر والقوانين والتشريعات، في كافة المجالات المتصلة بأهداف الاتحاد”.
كما أن المبادرة كانت مدرك كليا أن التنمية وصناعة التقدم لن يكون إلا من خلال التعاون مع المنظومة الدولية لذلك فقد نصت مبادئها على: “ الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الثنائية بين الدول الأعضاء والمحافظة على الأمن والاستقرار الدوليين، ومكافحة الإرهاب.” وفي الأهداف نصت على:
تشجيع التعاون الدولي بين «اتحاد الدول العربية» وغيره من التجمعات الإقليمية والدولية في إطار دستور الاتحاد وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
تنسيق جهود الدول العربية في المحافل الدولية والعمل ككتلة واحدة لمواكبة التطورات الاقتصادية الدولية”.
المبادرة في رسمها للهياكل والأطر التنظيمة كانت في غاية الوضوح وتدل على رغبة لدى القيادة اليمنية في تحقيق نهوض عربي يحقق الاستقلال والتنمية والديمقراطية والأمن العربي، وتم وضع تقنية واضحة لآليات العمل ومن الآليات الرائعة أن المبادرة أكدت على دور الشعوب العربية في صناعة العمل الجماعي.
المبادرة بحاجة إلى دراسات معمقة حتى يتم فهمها والترويج لها ولا مانع من وضع المقترحات لتطويرها فهي في نهاية الأمر عمل بشري ومهما بلغ الابداع فيها فإن العقول المتحفزة ربما تكشف رؤى جديدة تمنحها تألقا وتزيدها قوة.
والخلاصة أن الفترات التاريخية التي تصاب فيها الأمم بالهزيمة والردة والفشل تمثل اللحظات القلقة والمربك والتي يبحث فيها المبدعون عن حلول لأزماتهم ويطرحون فيها المبادرات لمواجهة الواقع، علينا أن نتفاءل وأن نبحث عن مخارج لأزماتنا وعلينا أن نتحمل المسئولية وأن لا يقودنا الصراع الداخلي إلى التقليل من شأن اليمن ومن دوره العربي الرائد، فالمبادرات التاريخية العظيمة ليست حكراً على أحد، لقد قذف الرئيس اليمني الحجر في بركة راكدة والتغيير قادم فالعرب أمة عظيمة لا يمكنها أن تستسلم وستواجه مشاكلها وواقعها يفرض عليها أن تفكر بطريقة جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.