عندما نسمع مصطلح «اللجان الشعبية» يتبادر إلى أذهاننا أن هناك مسلحين اصطلح تسميتهم بهذه التسمية يتبعون طرفاً ما لحفظ الأمان في محافظة معيّنة أو في منطقة معيّنة من اليمن قد يكون ذلك بالتعاون مع الدولة أولاً. على كل حال دعوني أتحدّث عن مدينتي (تعز) وما تحتاجه تعز، مدينة التعايش والقبول بالآخر التي فرضت مدنيّتها منذ عقود بالرغم من الفقر الطاعن في كثير من أريافها الذي سببه الجهل وعدم التعليم؛ إلا أن بعض أريافها نشأت فيها المدارس النظامية قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م. أعلن بعض أبناء تعز الغيورون في شهر رمضان بالتحديد - أي قبل ثلاثة أشهر- عن فريق (صدقة جارية) وهو فريق يعمل على متابعة مسؤولي المكاتب الخدمية - وضعوا خطاً تحت كلمة الخدمية - وذلك لمتابعتهم وتذكيرهم بمهامهم والنزول إلى الشارع، ونقل معاناة الشارع إليهم ومعالجتها معهم، واستخدموا في كل ذلك لغة لا يختلف عليها اثنان، استخدموا لغة الحوار والقلم والصورة وحسن التعامل، زاروا أغلب المكاتب إن لم تكن كلها ونزلوا مع المسؤولين إلى الشوارع لمتابعة القضايا الخدمية التي تحتاج إلى تحسين وتعديل وترميم، كما عملوا على استئصال كثير من النتوءات التي تعيق سير العمل الخدمي للمواطنين، عملوا الكثير ومازالوا يعملون في ظل تقبُّل كبير من أبناء مدينة تعز ومسؤوليها، ومسؤولي المحافظة أنفسهم، وهو عمل طوعي يرتقي بمدينة تعز وخدماتها نحو الأفضل، وعمل موثّق ومتابع من قبل الجميع. هذه هي «اللجان الشعبية» والرقابة الشعبية التي تحتاجها تعز، رقابة من أبناء تعز نفسها ممن يعانون من سوء الخدمات ويرغبون في تحسينها بكل حب وليس في إثارة صراعات، لجان تسعى إلى تحسين الخدمات لكل أبناء تعز بمختلف أفكارهم وتوجهاتهم، تبحث عن صحة أفضل وعن تعليم أفضل وعن شارع نظيف وعن احترام إنسانية الإنسان بكل ما تستطيع تقديمه له... إلخ. كما لا أنسى بعض المبادرات الشبابية التي ذهبت حتى إلى تحسين وضع المرضى النفسانيين والاعتناء بهم وهو فريق آخر، وبعض المنظمات الناشئة لبعض شباب الثورة التي كانت من أفكارها إقامة دورة لسائقي الموتورات في كيفية التعامل مع الآخرين.... إلخ. انظروا إلى صفحات "الفيس بوك" لكثيرين من الشباب في تعز، انظروا ماذا ينشرون، إنهم ينشرون جمال اليمن وطبيعتها بالصور، إنهم يسعون إلى احتراف التصوير لإظهار جمال اليمن ووجهها الباسم إلى العالم، بينما هناك من ينشر صور الدماء ليشوّه صورة اليمن..!!. الكثير والكثير من الأشياء الجميلة التي تحدث في تعز - ولا يمكن أن تخطر في أذهان أرباب الصراعات - هذه الأشياء هي وجه تعز وهي بذور مدنيّتها، هي انعكاس لمدنية أبنائها؛ فلا ترهقوها بلجان شعبية مسلّحة لأي طرف كان وتحت أي مسمّى. نريد تعز تلك المدينة الباسمة يظل سلاحها العلم والقلم والشهادة والطبيب والممرّض والمهندس والأستاذ ودكتور الجامعة وعامل النظافة والفرّاش.... إلخ كلهم يتعايشون من أجل بعضهم بعضاً، ولتتولّى قضية الأمن السلطة المحلية وأجهزتها الأمنية في المحافظة، فهي الوحيدة التي يجب أن تحفظ أمن تعز لأنها تمثّل «الدولة» بعيداً عن اللجان المسلّحة التي كثر تداول مصطلحها وتواجدها في بعض المحافظات باختلاف توجُّهها. [email protected]