بالأمس ودعنا عاماً مضى بأحداثه وأحزانه وأزماته عاماً سقطت فيه على ثرى هذا الوطن الطاهر الكثير من دماء اليمنيين الأبرياء ، وتفاقمت خلاله الأزمات والأحداث المؤسفة على الساحة الوطنية ، وشاعت فيه الفتن التي تكاد تقضي على كل ما هو جميل ورائع في هذا الوطن وها نحن اليوم نقف على أعتاب عام جديد وقلوبنا كمواطنين تقطر دماً على ما آلت إليه أوضاعنا من تدهور في مختلف المجالات, وخوف وهلع من مصير مجهول يهدد أمن ووحدة واستقرار هذا الوطن ، إذا ما استمرت الخلافات والمكايدات والصراعات الحزبية والسياسية بين مختلف الأطراف والقوى السياسية على الساحة الوطنية, وتفاقمت أزمة الثقة فيما بينها.رغم أن مختلف هذه الأطراف والقوى السياسية قد اجتمعت على طاولة الحوار خلال العام الماضي وتوصلت إلي مخرجات توافقت عليها لبناء وتأسيس الدولة المدنية الحديثة . إلا أن استمرار وتفاقم حالة الصراع والخلافات بين مختلف هذه القوى والمكونات السياسية اليمنية لا تبشر بتنفيذ أي من هذه المخرجات على أرض الواقع. لقد أصبح الصراع الدائر في بلادنا اليوم غريباً جداً عن مجتمعنا وغير قابل لأن يخضع لأي نوع من التحليل الفكري – كما قال أستاذنا الدكتور عبد العزيز المقالح والذي أشار في إحدى مقالته إلى أن «العرب وغير العرب يقفون في حيرة إزاء ما يحدث في بلادنا اليوم: شعب واحد في الدين الذي يعتنقه، وفي التاريخ الذي يعود به إلى آلاف السنين، في لغته، وفي انتمائه القومي. لا أعراق، ولا ديانات أخرى، ولا أقليات. شعب صافٍ من كل ما يعكّر صفو كثير من شعوب العالم، ومع ذلك استطاعت الأنانية الرعناء والرغبة في الاستئثار بالسلطة أن تقدمه في صورة هي الأسوأ بين الشعوب، وكأنه خليط بشري متنافر لا يجمع أبناءه جامع من دين أو تاريخ أو انتماء. كل إنسان طامحٌ في هذا البلد، ويريد في المعترك الداخلي الراهن، أن يثبت وجوده، وذلك من حقه، ولكن في إطار القانون والدستور والثوابت التي تحفظ للوطن كيانه وللمواطنين حقوقهم ومصالحهم. والانحراف بالأوطان وإدخالها في أتون الفوضى يبدأ من محاولة الاستئثار والإقصاء للآخرين. ومن هنا برزت المعضلة اليمانية وكاد الوطن ذو الدين الواحد والتاريخ الواحد واللغة الواحدة أن يتحول إلى أوطان ذات أديان وتواريخ وانتماءات!! » . لذلك نتمنى ونحن في بداية أيام العام الهجري الجديد أن تراجع كل القوى والأطراف السياسية أعمالها وتصرفاتها ومواقفها التي وصلت بالوطن إلى ما نحن عليه اليوم من فتن وأحداث وأزمات, وتعيد النظر في سياساتها ومواقفها تجاه مختلف قضايا الوطن وهموم المواطن, وتبدأ صفحة جديدة في تأريخها السياسي مع بداية هذا العام, تسطرها بمعاني التسامح والإخاء والألفة والتعاون والانسجام والعمل الجماعي المشترك لما فيه خير ومصلحة الوطن والمواطن . وعلى كل ممثلي القوى والأطراف السياسية اليمنية أن يجسدوا مع بداية هذا العام « حب الوطن » في مواقفهم واتجاهاتهم نحو مختلف القضايا الوطنية , ويدركوا يقيناً أن من لا يحب وطنه ويعمل على معاداته وتخريبه ويخطط لدماره ويشترك في خلخلة أمنه واستقراره ويساعد على انهياره فهو خائن لوطنه. وأن الأوطان بأبنائها وأن الإنسان لا يكبر إلا بإكباره لوطنه، ولا عزة ولا كرامة له إلاّ بعزة وكرامة وطنه وأنه لا سبيل لتطور هذا الوطن إلا بتضافر جهود أبنائه وإخلاصهم في الولاء والانتماء له , فالوطن هو الكيان الذي نحتمي به، وهو الأرض التي ولدنا ونشأنا وترعرعنا على تربته، وفيه نحيا ومن أجله نموت، وأن الله استخلفنا على هذه الأرض لنعمرها ونبنيها ونشيد عليها مداميك الخير والنماء ونصونها بولائنا المطلق من أي تخريب أو استهداف، وأن من يخلدون بأعمالهم هم أولئك البارون بأوطانهم المخلصون لشعبهم المتوخون في أعمالهم الدنيوية ليس فترة وجودهم فيها، ولكن يعملون للأجيال القادمة.. مقدمين حبهم وولاءهم لوطنهم على أية مصالح دنيوية زائلة. [email protected]