لا أتجاوز الحقيقة إذا ما قلت إن أحزابنا ومكوّناتنا السياسية قائمة على عكس الأحزاب السياسية في الدول الأخرى التي تختلف أحزابها ثم تتفق وينتهي خلافهم بمجرد أن يتوصّلوا إلى حلول للقضايا التي كانت سبباً في خلافاتهم ويبدأون العمل كفريق عمل واحد من أجل أوطانهم وشعوبهم. أما بالنسبة للأحزاب في بلادنا وما أكثرها فعلاقتها قائمة على الخلاف الدائم، ولهذا يكون اتفاقهم ليس أكثر من مرحلة جديدة من مراحل الخلاف والصراع السياسي الذي لا ينتهي, ولا عجب في ذلك؛ لأن اتفاقات أحزابنا السياسية قائمة وفق قاعدة «اتفقنا ألا نتفق» ولهذا نرى أنه كلما عُقدت الاتفاقات بين الأحزاب السياسية في اليمن؛ زادت حدّة خلافاتهم وارتفعت وتيرة صراعاتهم. واللافت أيضاً هو أنه كلما كانت الاتفاقات برعاية إقليمية أو دولية؛ كان الفشل وتعرقل هذه الاتفاقات أسرع، والذاكرة اليمنية مليئة بمثل هذه الاتفاقات، أو بالأصح الانتكاسات التي تقود اليمنيين إلى حرب مدمّرة بدءاً من «وثيقة العهد والاتفاق» التي قادت إلى حرب صيف 94م، مروراً بما تلاها من اتفاقات بين الأحزاب السياسية انتجت أزمة 2011م، وصولاً إلى المبادرة الخليجية وما أعقبتها من خلافات أعاقت تنفيذها بالشكل المطلوب، وانتهاءً باتفاق السلم والشراكة وما تبعتهما من صراعات مازالت مشتعلة. وها نحن اليوم نسمع عن «إعلان بروكسل» ولا ندري ما جدوى كل هذه الاتفاقات إذا لم يتم تنفيذها..؟! وما الفائدة منها مادامت الخلافات بين الأحزاب والمكوّنات السياسية مازالت قائمة وتتسع كل يوم. ولا أبالغ هنا إذا ما قلت إن شعورنا بالخوف والقلق على مستقبل وطننا الحبيب يزداد مع كل اتفاق تقوم الأحزاب السياسية المتصارعة بالتوقيع عليه؛ لأننا على يقين أن هذه الاتفاقات ستبقى حبراً على ورق ولن تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع مهما أعلنت الأحزاب تمسّكهم بها وإصرارهم على تنفيذها، وهذا ينطبق أيضاً على جهود أشقائنا وأصدقائنا، فكلما أكدوا وجدّدوا دعمهم ومساندتهم لليمن وحرصهم على أمنها واستقرارها ووحدتها؛ ندرك أن طريق الخلاص لايزال طويلاً، وأن التحدّيات أكبر مما نتوقّع. فيا هؤلاء، إننا نضع أيدينا على قلوبنا كلما رأيناكم توقّعون على اتفاق جديد، فإصلاح الوطن والخروج من الأزمة وإنهاء هذا الصراع الدامي يحتاج إلى نوايا وصدق تنفيذ لما تتفقون عليه، فالعبرة بما تنفّذونه من التزاماتكم وتعهداتكم وليس بعدد الاتفاقات التي وقّعتم عليها.