أحد أبناء قرية بو زيد في تونس أحرق نفسه، احتجاجاً على تصرّفات الشرطة معه، فخرج (التوانسة) عن بكرة أبيهم في المدن والقرى وبشعار واحد: الشعب يريد إسقاط النظام، وماهي إلا أسابيع قليلة حتى ردّد المصريون نفس الشعار وفي ذات الوقت هرب زين العابدين بن علي إلى إحدى دول الخليج وبشّر مواطن تونسي كل التوانسة وهو يجري في الشارع الرئيسي بالعاصمة بن علي هرب يا توانسة. وأعلن حسني مبارك تنحّيه عن منصب رئاسة الجمهورية على لسان عمر سليمان، رئيس المخابرات السابق والذي كان مبارك قد عيّنه نائباً له معتقداً أنه سيتكفّل بإخماد أية احتجاجات شعبية بحكم خبرته وبروزه من خلال إدارته لعملية أو لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين فتح وحماس وإقناعهم بقبول التفاوض مع إسرائيل بدون شروط، أي عدم التمسك بإعادة الأراضي الفلسطينية بالتحديد الضفة الغربية وأن على مصر وسوريا أن تحلّا مشكلة الجولان والشريط الذي تسيطر عليه إسرائيل في سيناء كمنطقة عازلة لا يجوز لأية قوات مصرية التواجد فيه أو عبوره لأغراض أمنية تخص مصر مع القبائل والبدو الذين قاوموا ولا زالوا أي تواجد إسرائيلي في بلادهم بموجب معاهدة السلام المبرمة عام 77 م بين أنور السادات، الرئيس المصري المقتول وبين مناحم بيجن، رئيس وزراء إسرائيل في حينه وبإشراف الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارترد وبحضور وزير خارجيته هنري كسنجر، مهندس المعاهدة وملحقاتها التي لم تُرضِ غالبية المصريين، وأودت بحياة بطل العبور كما يسمونه أنور السادات عام 81م. وتسارعت الأنباء عن أندلاع ثورة شبابية في اليمن وأخرى في ليبيا ومثلها في سوريا، ووصلت الأمور إلى ما شهده العالم من عنف ومقاومة وتدمير للبنى التحتية وللمشاريع التنموية والاقتصادية وانشقاقات عسكرية وقبلية وانضمامات حزبية وقبلية إلى هذا الطرف أو ذاك حتى اعتلى صهوة بعض هذه الثورات فرسان من نوع آخر من الفاسدين أو بعضها في أوج زخم الثورة لإعلان بعض القادة والوحدات العسكرية التي يديرونها انشقاقهم عن باقي القوات العسكرية، وتأييدهم للثوّار الذين باسمهم وباسم الثورة بقوا مهيمنين على قطاعات مهمة من الجيش لكنهم لم يكونوا سوى جماعة ابتزازية حققت لنفسها أرباحاً خيالية في المتاجرة بكل شيء ونهب المال العام. وحاول بعض المواطنين في بعض الدول الانتفاضة على أنظمتهم إلا أنهم كانوا قلّة فنجح القادة في هذه الدول في إخماد النيران في وقت قياسي بالتفاهم والحوار الواعي المقنع، وعادت الأمور إلى طبيعتها، بينما بقيت الأوضاع في بقية الدول العربية تتجرّع مرارة الربيع حتى الآن بكل الكوارث الإنسانية التي مزّقت الشعوب بالطائفية والمناطقية والمذهبية والدينية كما هو الحال في سوريا والعراق (عنواناً) فليتك يا بو زيد ما احترقت ولا قدّمت أجساد الملايين بدون قصد.