غاب عنا طيف جميل، وروح إبداعية رائعة، قدّمت للإبداع الكثير في مجالات متعددة، وكانت ذات تميّز خاص في توجهها للطفولة وعنايتها بثقافة الطفل، وهو إبداع يتطلّب قدرات عالية، ومهارات متقدمة تستطيع التعامل مع الطفولة وفق مرحلتها العمرية، وقدراتها العقلية، وهذا ما امتلكه فقيدنا العزيز رحمة الله عليه، عارف، وامتد إبداعه إلى المدارس والمجتمع، وظل يقدّم، ويقدّم حتى داهمه المرض وتمكّن منه، ومع كل عطاءاته قوبل بالجحود، وظل على فراش المرض ينظر إليه الجميع إلى أن صار المرض مستعصياً. والغريب في الأمر، وهو في الحقيقة ليس غريباً، هو تلك العادة القبيحة التي درجت عليها أجهزة السلطة ومؤسسات المجتمع والمتمثلة بالاعتراف بدور الشخص وأهمية ذلك الدور بعد وفاته، في حين يُقابل بالإهمال والإضعاف والتهميش في حياته. وفجأة نراها جميعاً تبكي الفقيد.. الشهيد وتعدّد مناقبه، وتعلن أن في وفاته خسارة كبرى للدولة والمجتمع، وتذهب بعضها إلى القول أن الخسارة عظيمة ولا يمكن تعويضها، يا سبحان الله، لماذا هذه الصحوة السياسية والاجتماعية المتأخرة دائماً ولماذا كانت في غفلة حين كان المتوفي حياً يُرزق، واتصالاً بفقيدنا، وجدنا هذه الصورة تظهر على النحو الذي ذكرنا، فتم الاعتراف بعطاءاته وتميزه وإبداعه رسمياً، وشعبياً عند لحظة وفاته، وقرأنا بيانات (النعي) ونُشرت سيرته الذاتية، وعدّد المذيعون والكُتّاب مناقب الفقيد، والفقيد خرج من الدنيا خالي الوفاض، إلا من عائلة كريمة يُفترض أن ينالها التكريم كأبسط حق من حقوق عارف على هذا الوطن، فهي تعيش في منزل مستأجر، وتعتمد على راتب موظف في صحيفة الجمهورية، فهل نتوقع لفتة حقيقية من الجهات الرسمية نحو عائلة الفقيد ليس من باب الإعانة ولكن من باب الاستحقاق والاعتراف بجهوده المتواصلة والتي كانت مشهودة للجميع؟، وسيظل التاريخ يقر له بالسبق في فن الكاريكاتير والتأسيس لثقافة الطفل عبر الصحافة المتخصّصة، والعناية بالموروث عبر الرسم واللوحة، وزرع الأمل بالمستقبل عبر لوحات التفاؤل، ولفت انتباه المجتمع لمواطن الفساد وملامحه بالكاريكاتير، والصورة المعبّرة. رحمة الله تغشاك يا عارف، وأنزلك الله فسيح جنّاته، وأخلف أهلك وأنجالك خيراً، وعصم قلوبهم بالصبر، وإنا لله وإنا إليه راجعون. والله من وراء القصد.