بإمكان حكومة المهندس خالد بحاح أن تبني لنفسها رصيدًا شعبيًا وإن كان الظرف مزدحمًا بالمساوئ التي تحجب الرؤية عما هو إيجابي وصحيح.. الأمر يحتاج فقط إلى عزيمة وإصرار على تحقيق ما لم تكن الحكومات السابقة تجرؤ على فعله, فظلت هذه الحكومات محل نقد من صديقها قبل عدوها؛ لأنها كانت تبدو على استعداد للتعايش مع الفساد وحالات الاختلال, وهكذا ظلت الحكومة القادمة نسخة منقحة من الحكومة السالفة, وبمجيء التسوية السياسية عقب أحداث 2011م وتشكيل حكومة الوفاق الوطني بقيت هذه الحكومة محكومة بقيود التسوية والحفاظ على شعرة معاوية, وبالتالي ظلّت كثير من مظاهر الفساد جاثمة, مع إيماني بأن هذه الحكومة لها إيجابياتها.. هذا إذا أردنا أن نكون نحن العرب أصحاء ذهنيًا وثقافيًا, إذ لابد أن نتحلل من ثقافة الإلغاء وأن الماضي شر محض والحاضر خير محض, فكلنا نخطئ ونصيب, وكل من يصل إلى موقع القرار يدلي بدلوه ثم يترك المجال لآخرين ليدلوا بدلوهم مثله. لست هنا في مقام المقارنة بين حكومتين وتقييم تجربة هذه الحكومة أو تلك, مع أخذي بالاهتمام أن هناك شروطاً ومحددات للنجاح يتم من خلالها الحكم على هذه الحكومة أو تلك بأنها نجحت.. ما يهمني هنا هو أن حكومة بحاح أجدها قادرة على تحقيق شيء يلتفت إليه الناس, لاسيما بعد أن قرأت كلامًا للمهندس خالد بحاح لدى ترأسه اجتماعاً موسعاً للمجلس الأعلى للطاقة, يتحدث عن مشكلة الكهرباء والمديونيات الراكدة عند النافذين. قال دولة رئيس الوزراء: “إن الطريقة التقليدية القائمة في عمل وأداء قطاع الكهرباء لم تعد مقبولة، وحان الوقت للبدء في تطبيق سياسات وبرامج إصلاحات حقيقية على أرض الواقع في هذا القطاع الحيوي، والعمل بطريقة مختلفة تؤدي إلى النهوض بواقعه ومعالجة الإشكالات القائمة فيه على جميع المستويات الإدارية والفنية”. وأكد “أنه لن يكون هناك تهاون في محاسبة المقصّرين وسيتم اتخاذ إجراءات صارمة، وعمليات جراحية قاسية للقيادات الإدارية والمسئولين الذين لم يؤدوا أو يستوعبوا عملهم وطبيعة المهام والإجراءات الاستثنائية المرتبطة بتنفيذ الخطة”. وجاء في الخبر أن رئيس الوزراء “وجّه بإعداد خطة عمل تنفيذية عاجلة لمدة عام واحد في ضوء الأولويات القصوى التي تم طرحها في الاجتماع، مع مراعاة أن تكون هذه الخطة واقعية وقابلة للتنفيذ”.. كما وجه “باستمرار عقد مثل هذه الاجتماعات لتناول كل جزئية على حدة من المشاكل القائمة في قطاع الكهرباء باعتباره موضوعاً استراتيجياً، ووضع الحلول الناجعة لها وفقا لخطة زمنية ومسؤوليات محددة؛ لتقليص الفجوة القائمة بين الخطط والمنفذ على أرض الواقع.. مؤكدًا أنه سيتابع شخصيًا أولاً بأول مستوى التنفيذ، ولن يقبل أي أعذار أو تلكؤ في أداء المهام المتفق عليها في الخطة”. أ. ه. هذه رؤية جيدة لأنها قبل كل شيء أدرك صاحبها أن الاستمرار في قطاع الكهرباء على هذا النحو المتردي يعني أن الانهيار قادم لا محالة, ولذلك تأتي اليوم ضرورة الإنقاذ وتفادي الانهيار بتصحيح الاختلال وإعمال القانون, وأول خطوة في رأيي تحصيل المديونيات التي بإمكانها أن تنهض بهذا القطاع وتعالج كثيرًا من مشكلاته. ولأنها رؤية جيدة فينبغي أن تتبعها خطوات التنفيذ, وهذا ما يبدو لي أن الحكومة شرعت فيه من خلال تحرير مذكرات إلى أصحاب المديونيات تطالبهم بالسداد, وقد جرى عرض إحدى هذه المذكرات على بعض المواقع الإخبارية, وهذا ما نعده ثورة في أداء وزارة الكهرباء؛ فمنذ متى كان الجمهور يطلع على أسماء النافذين الذين يمتنعون علن سداد الملايين التي عليهم لمؤسسة الكهرباء؟! ومنذ متى كنا نعرف عن المبالغ المتراكمة عندهم؟!. طبعًا تلك المذكرة التي تناقلتها المواقع الإلكترونية رأى البعض في نصها ما يثير السخرية من حيث لغة الخطاب مع نافذ يستعلي على القانون وحقوق الدولة, ورأيت بعض الصحف العربية تتخذ من خبر هذه المذكرة مادة للتندر؛ لأن من العار في الدول الأخرى أن يتخلف أحد مهما كانت مكانته السياسية أو الاجتماعية عن سداد قيمة خدمة تقدمها له مؤسسة حكومية. ونحن نقول: إن إخراج هذه المذكرة بلغتها ونشرها في وسائل الإعلام شيء عظيم نثمنه نحن اليمنيين ونقدره تقديرًا عالياً؛ لأن الكشف عن المديونيات وأسماء النافذين الممتنعين كان أمرًا مستحيلاً, ولم يكن بوسع وزير الكهرباء في الماضي سوى أن يهدد بنشر الأسماء في وسائل الإعلام. اليوم شيء عظيم أن تشركوا الجماهير في تعرية هؤلاء النافذين, فربما نحقق بالإحراج ما لم تستطع أن تحققه السلطات المختصة والنيابات والمحاكم .. ولكن من المهم أن ننبهكم إلى خطورة الانتقاء والكيل بمكيالين.. اجعلوا الجميع أمام القانون سواء.. لا تستثنوا أحدًا كائنًا من كان.. فبهذا وحده تنجحون, وإلا فإن عليكم من الإثم ما على سابقيكم والسلام. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر